ليكفن الحارث بن الحكم عن بعض كلامه أو ليأتيه مني شيء لا قبل له به والسلام.
ثم كتب في أسفل كتابه هذه الأبيات:
إن مروان أبت لي رحمة * قطعة الدهر وفي المرء زلل يأكل الخبز وفيه نخوة * واعتراض عن هوى وملل منع المرء أخاه حارثا * بالتي يسحب أذيال الخطل غره حكمي وحلمي شيمة * فارتقى فيما يسوى ونزل أبلغ الحارث عني مالكا * كل شيء ما خلا صخرا جلل فاطلب اليوم جفاي جاهدا * وارحل الناقة فيها والجمل ثم لا تنزع عما سرني * أنني مر وحلو كالعسل إن من سب زيادا مرة * شرب الدهر عليه وأكل عرضه عرضي وشيخي شيخه * ولهذا الدهر في الناس دول قال: فلما نظر مروان إلى كتاب معاوية دعا بأخيه الحارث بن الحكم فقال له:
هلكت وأهلكت: إن معاوية قد ادعى زيادا وهذا كتابه إلي فارحل إليه تائبا ومعتذرا ولا تقم، فو الله ما رجع معاوية حتى كاد أن لا يرجع.
قال: فرحل الحارث بن الحكم من المدينة حتى قدم على معاوية، فلما دخل وسلم رد عليه معاوية السلام ثم أمره بالجلوس، فجلس فقال: يا أمير المؤمنين! إنا لو استقبلتنا من أمر زياد الذي استدبرناه منه لاتبعنا هواك فيه، وزياد أخونا وأخوك - والسلام -. قال: فضحك معاوية ثم قال: أحسنت يا حارث! ثم أمر له معاوية بجائزة سنية، فأنشأ يقول:
إن من يقطع فينا رحمة * فابن هند اليوم فينا قد وصل غفر الذنب وأعطى عتبه * فكأن ما كان منا لم يقل سن في حي قريش سنة * وضع التاج عليها فاعتدل عبشمي (1) أموي ملكه * آفة النحل وتسريب العلل وله كف بها في عدله * آفة المال وتقويم الميل لو إلينا منتهى آجالنا * لفديناه وزدنا في الأجل