كتاب الفتوح - أحمد بن أعثم الكوفي - ج ٤ - الصفحة ٢٨٩
منها على الهلاك، فيجب أن تكف عنا ونكف عنك إلى أن يأتيك علم ذلك.
قال: فأمسك قيس بن سعد عن القتال ينتظر الخبر، قال: وجعل أهل العراق يتوجهون إلى معاوية قبيلة بعد قبيلة، حتى خف عسكره.
فلما رأى ذلك كتب إلى الحسن بن علي يخبره بما هو فيه. فلما قرأ الحسن الكتاب أرسل إلى وجوه أصحابه فدعاهم، ثم قال: يا أهل العراق! ما أصنع بجماعتكم معي وهذا كتاب قيس بن سعد يخبرني بأن أهل الشرف منكم قد صاروا إلى معاوية، أما والله ما هذا بمنكر منكم لأنكم أنتم الذين أكرهتم أبي يوم صفين على الحكمين، فلما أمضى الحكومة وقبل منكم اختلفتم، ثم دعاكم إلى قتال معاوية ثانية فتوانيتم، ثم صار إلى ما صار إليه من كرامة الله إياه. ثم دعاكم إلى قتال معاوية ثانية فتوانيتم، ثم صار إلى ما صار إليه من كرامة الله إياه. ثم إنكم بايعتموني طائعين غير مكرهين، فأخذت بيعتكم وخرجت في وجهي هذا، والله يعلم ما نويت فيه، فكان منكم إلي ما كان، يا أهل العراق! فحسبي منكم لا تعزوني في ديني فإني مسلم هذا الأمر إلى معاوية (1).
قال: فقال له أخوه الحسين: يا أخي! أعيذك بالله من هذا! فقال الحسن:

(1) مر قريبا أن الحسن بن علي، وبعد الموقف الهجومي الذي اتخذه معاوية في الرد على كتاب للحسن يدعوه لبيعته، إذ فاجأه معاوية بتجهيز أكثر من ستين ألفا وبالمسير نحو العراق. فأسرع الحسن في استنفار قواته وعماله وتعبئة جيشه والتوجه إلى المدائن فمسكن، وقد ذكرنا - انظر ما لاحظناه قريبا - أنه حدثت تطورات وأوضاع هامة وخطيرة وهو في المدائن تركت الحسن في موقف بالغ الدقة والخطورة حيث غلبت عليه الحيرة في الموقف المفترض اتخاذه ثم طرأ أيضا ظروف أدق - حتمت عليه - اتخاذ الموقف الجريء الواضح والذي لم يرض أن يهرق في أمره محجمة دم، فكانت خطة حقن الدماء التي أقرها وقررها.
وأما الظروف المستجدة - إلى جانب التطورات التي ذكرناها سابقا - والتي أملت عليه اتخاذ هذا الموقف فهي:
1 - خطة الحرب النفسية والدعائية التي شنها معاوية والتي قضى من ورائها تدمير مقاومة الجيش في مسكن.
2 - نشر الشائعات في جيس الحسن، وكانوا من أغرار الناس والمتأرجحين بين الطاعة والعصيان والمتأهبين للفتنة والاضطرابات في كل حين.
3 - تهديم معنويات جيش الحسن. ولعبة تفتيته على قاعدة العناصر والألوان التي كثرت فيه.
أمام هذا كله وقف الحسن غير عابىء بما يدور حوله، ووضع خطته فيما يريده الله وما يؤثره عن رسول الله (ص) وما يجب لصيانة المبدأ، وأما ما يقوله الناس فلم يكن ذلك ما يعنيه كثيرا (الطبري - اليعقوبي - ابن كثير).
(٢٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 284 285 286 287 288 289 290 291 292 293 294 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ذكر الحكمين 197
2 ذكر كتبة كتاب الصلح بينهم وما جرى في ذلك 201
3 ذكر أول من يسري من أصحاب علي بن أبي طالب بعد ذلك 205
4 ذكر وصية القوم لأبي موسى بالاحتياط في أمره والحذر من دهاء خصمه 207
5 ذكر غرور عمرو بن العاص صاحبه 210
6 ذكر ما قيل فيه بعد ذلك 216
7 ذكر ما سئل أمير المؤمنين من القضاء والقدر فيما جرى عليهم من الأمور 217
8 ابتداء ذكر الغارات بعد صفين 218
9 خبر أهل اليمن وتحريك شيعة عثمان بن عفان بها وخلافهم على علي بن أبي طالب 229
10 ذكر بسر بن أبي أرطأة الفهري وما قتل من شيعة علي بن أبي طالب بأرض اليمن 231
11 خطبة ثانية (لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه) 237
12 خبر عبد الله بن عباس وزياد بن أبيه وأبي الأسود الدؤلي وما جرى بينهم 240
13 ذكر الخريت بن راشد وخروجه على علي بن أبي طالب وخلافه عليه 242
14 ذكر مصقلة بن هبيرة الشيباني وما كان منه إلى علي وهربه إلى معاوية 244
15 ذكر الكتاب الذي كتبه الحضين بن المنذر إلى مصقلة بن هبيرة 246
16 ذكر كتاب مصقلة بن هبيرة إلى قومه 248
17 ذكر ابتداء أخبار الخوارج من الشراة وخروجهم على علي رضي الله عنه 251
18 كلام ابن عباس للخارجي وما كان من رده عليه 252
19 ابتداء اجتماع الخوارج بالنهروان 255
20 ذكر خطبة علي بن أبي طالب قبل خروجه إلى النهروان 256
21 ذكر خطبته الثانية وما كان من توبيخه لأهل الكوفة 257
22 ذكر خطبته الثالثة 260
23 ذكر كتاب علي إلى الخوارج 262
24 مسير عبد الله بن أبي عقب إلى الخوارج وما جرى بينهم من المناظرة 263
25 ذكر ابتداء الحرب 271
26 ذكر وصية علي رضي الله عنه عند مصرعه 280
27 ذكر كتاب عبد الله بن عباس من البصرة إلى الحسن بن علي رضي الله عنهما 283
28 ذكر كتاب الحسن بن علي إلى معاوية 284
29 جواب كتاب الحسن بن علي من معاوية بن أبي سفيان 285
30 ذكر خروج معاوية من الشام يريد العراق وخروج الحسن بن علي من الكوفة يريد الشام 286
31 ذكر بيعة الحسن بن علي لمعاوية كيف كانت 290
32 ذكر مسير معاوية إلى العراق لأخذ البيعة لنفسه من الحسن بن علي رحمة الله عليه 292
33 ذكر خبر أهل البصرة وما كان من خلافهم على معاوية 296
34 ذكر زياد بن أبيه حين كان مع علي بن أبي طالب وكيف ادعاه معاوية بعد ذلك وزعم أنه أخوه 298
35 ذكر خطبة زياد بالبصرة وهي الخطبة التي لم يسبقه إلى مثلها أحد من أمراء البصرة 302
36 ذكر أخبار خراسان في أيام معاوية بن أبي سفيان 305
37 ذكر ولاية سعيد بن عثمان خراسان 306
38 ذكر مسير سعد بن عثمان إلى خراسان وخبر مالك بن الربيب المازني 308
39 ذكر فتوح خراسان أيضا بعد سعيد بن عثمان 314
40 ذكر موت زياد بن أبيه 316
41 ذكر أخبار خراسان وغير خراسان بعد موت زياد بن أبيه 317
42 وفاة الحسن بن علي بن أبي طالب 318
43 ابتداء أخبار مقتل مسلم بن عقيل والحسين بن علي وولده وشيعته من ورائه وأهل السنة وما ذكروا في ذلك من الاختلاف 322
44 ثم رجعنا إلى الخبر الأول 329
45 ذكر كتاب معاوية إلى مروان بن الحكم بالمدينة في أمر يزيد 334
46 ذكر خبر معاوية في خروجه إلى الحج وما كان منه بمكة والمدينة إلى رجوعه 336
47 ذكر انصراف معاوية عن مكة وما يلي به من سفره من المرض وخبر وفاته 344
48 ذكر الكتاب والعهد إلى يزيد 347