أم سلمة إني إنما أقضي بينكم برأيي فيما لم ينزل علي فيه، وخرجه الثقات، وكقصة أسرى بدر، والإذن للمتخلفين - على رأي بعضهم - فلا يكون أيضا ما يعتقده مما يثمره اجتهاده إلا حقا، وصحيحا، هذا هو الحق الذي لا يلتفت إلى خلاف من خالف فيه، لا على القول بتصويب المجتهدين الذي هو الحق، والصواب عندنا لا على القول الآخر بأن الحق في طرف واحد، لعصمة النبي صلى الله عليه وسلم من الخطأ في الاجتهاد في الشرعيات، ولأن القول في تخطئة المجتهدين، إنما هو استقراء الشرع ونظر النبي صلى الله عليه وسلم واجتهاده إنما هو فيما لم ينزل عليه فيه شئ، ولم يشرع له قبل هذا فيما عقد عليه قلبه فأما ما لم يعقد عليه قلبه، من أمر النوازل الشرعية، فلقد كان لا يعلم منها أولا إلا ما علمه الله شيئا، حتى استقر علم جملتها عنده، إما بوحي من الله - تعالى - وإذن أن يشرع في ذلك ويحكم بما أراه.
وقد كان ينتظر الوحي في كثير منها، ولكنه لم يمت حتى استقر علم جملتها عنده صلى الله عليه وسلم، وتقررت معارفها لديه على التحقيق، ورفع الشك والريب، وانتفاء الجهل، وبالجملة فلا يصح منه الجهل بشئ من تفاصيل الشرع الذي أمر بالدعوة إليه، إذ لا تصح دعوته إلى ما لا يعلمه.
قال جامعه ومؤلفه: قد اختلف في اجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم فيما لا نص عنده فيه، فاحتج من أجاز ذلك بقوله - تعالى: ﴿إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله﴾ (1)، وقد اختلفت عبارات المفسرين في معناها.
فقال الكرماني: بما أراك الله، بما علمك وعرفك في الحجة، وهو من الرأي الذي هو الاعتقاد، لأن الرأي بمعنى العلم يستدعي ثلاثة مفاعيل، قال الرازي: وهذه الآية تدل على أنه - صلوات الله تعالى عليه - ما كان يحكم إلا بالوحي والنص.
وقال الزمخشري: بما أراك الله، بما عرفك وأوحى به إليك، وعن عمر رضي الله تبارك وتعالى عنه: لا يقل أحدكم قضيت بما أراني الله، لأن