وخرجه في تفسير سورة البقرة (1)، من حديث هشام، عن ابن جريج:
سمعت ابن أبي مليكة يقول: قال ابن عباس - رضي الله تبارك وتعالى عنه:
(حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا) خفيفة، قال: ذهب بها هنالك وتلا: (حتى يقول الرسول والذين معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب)، فلقيت عروة بن الزبير، فذكرت ذلك له فقال: قالت عائشة - رضي الله تبارك وتعالى عنها: معاذ الله! والله ما وعد الله رسوله من شئ إلا علم أنه كائن قبل أن يموت، ولكن لم يزل البلاء بالرسل حتى خافوا أن من معهم يكذبونهم، وكانت تقرأها: (وظنوا أنهم قد كذبوا) مثقلة.
قال القاضي عياض: وقيل: أن الضمير في ظنوا عائد على الأتباع والأمم لا الأنبياء والرسل وهو قول ابن عباس والنخعي وابن جبير وجماعة من العلماء.
وبهذا المعنى قرأ مجاهد كذبوا بالفتح فلا تشغل بالك من شاذ التفسير الواهي مما لا يليق بمنصب العلماء، فكيف بالأنبياء عليهم السلام؟ وقال ابن حزم: وذكروا قول الله - تعالى: (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا) بتخفيف الذال - وليس هذا على ما ظنه من جهل أمر الله - تعالى - وإنما هو أنهم ظنوا بمن وعدهم النصر من قومهم أنهم كذبوهم في وعدهم، ومن المحال أن يظن من له أدنى فهم من الناس أن ربه - تعالى - يكذبه، هذا ما لا يظنه ذو عقل البتة، فكيف صفوة الله في أرضه من خلقه؟ وإنا لله وإنا إليه راجعون على المصيبة، هؤلاء الذين يجيزون على الأنبياء مثل هذا الكفر، ونعوذ بالله من الخذلان.
قال كاتبه تحذير القاضي عياض وابن حزم من قبله إنما هو مما ذكره الطوفي، فإنه وإن كان بعدهما بدهر حكى كلام من في عقده وهن، ومال إليه، قال: (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا) بالتشديد، أي كذبهم قومهم فلا يتابعهم أحد جاءهم نصرنا بإمالة الله قلوب الناس إليهم، وكذبوا