ذلك الأمير ثم عمل على قتله فقتله، وتفرقت الأتراك يعدو بعضهم على بعض، وينهب بعضهم بعضا، وبعث أسد إلى أخيه خالد يعلمه بما وقع من النصر والظفر بخاقان، وبعث إليه بطبول خاقان - وكانت كبارا لها أصوات كالرعد وبشئ كثير من حواصله وأمتعته، فأوفدها خالد إلى أمير المؤمنين هشام ففرح بذلك فرحا شديدا، وأطلق للرسل أموالا جزيلة كثيرة من بيت المال وقد قال بعض الشعراء في أسد يمدحه على ذلك: - لو سرت في الأرض تقيس الأرضا * تقيس منها طولها والعرضا لم تلق خيرا إمرة ونقضا * من الأمير أسد وأمضى أفضى إلينا الخير حتى أفضا * وجمع الشمل وكان أرفضا ما فاته خاقان إلا ركضا * قد فض من جموعه ما فضا يا بن سريج (1) قد لقيت حمضا * حمضا به تشفى صداع المرضى وفيها قتل خالد بن عبد الله القسري المغيرة بن سعيد وجماعة من أصحابه الذين تابعوه على باطله، وكان هذا الرجل (2) ساحرا فاجرا شيعيا خبيثا، قال ابن جرير: ثنا ابن حميد، ثنا جرير، عن الأعمش قال: سمعت المغيرة بن سعيد يقول: لو أراد أن يحيى عادا وثمودا وقرونا بين ذلك لأحياهم. قال الأعمش: وكان المغيرة هذا يخرج إلى المقبرة فيتكلم فيرى مثل الجراد على القبور، أو نحو هذا من الكلام. وذكر ابن جرير له غير ذلك من الأشياء التي تدل على سحره وفجوره. ولما بلغ خالدا أمره أمر بإحضاره فجئ به في ستة نفر أو سبعة نفر، فأمر خالد فأبرز سريره إلى المسجد، وأمر باحضار أطناب القصب والنفط فصب فوقها، وأمر المغيرة أن يحتضن طنبا منها، فامتنع فضرب حتى احتضن منها طنبا واحدا وصب فوق رأسه النفط، ثم أضرم بالنار. وكذلك فعل ببقية أصحابه.
وفي هذه السنة خرج رجل يقال له بهلول بن بشر ويلقب بكثارة، واتبعه جماعات من الخوارج دون المائة، وقصدوا قتل خالد القسري، فبعث إليهم البعوث فكسروا الجيوش واستفحل أمرهم جدا لشجاعتهم وجلدهم، وقلة نصح من يقاتلهم من الجيوش، فردوا العساكر من الألوف المؤلفة، ذوات الأسلحة والخيل المسومة، هذا وهم لم يبلغوا المائة، ثم إنهم راموا قدوم الشام لقتل الخليفة هشام، فقصدوا نحوها، فاعترضهم جيش بأرض الجزيرة فاقتتلوا معهم قتالا عظيما، فقتلوا