احترق البيت الذي هو فيه وهو قائم يصلي، فلما انصرف قالوا له: مالك لم تنصرف؟ فقال: إني اشتغلت عن هذه النار بالنار الأخرى، وكان إذا توضأ يصفر لونه، فإذا قام إلى الصلاة ارتعد من الفرق، فقيل له في ذلك فقال: ألا تدرون بين يدي من أقوام ولمن أناجي؟ ولما حج أراد أن يلبي فارتعد وقال: أخشى أن أقول لبيك اللهم لبيك، فيقال لي: لا لبيك، فشجعوه على التلبية، فلما لبى غشي عليه حتى سقط عن الراحلة. وكان يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة. وقال طاووس:
سمعته وهو ساجد عند الحجر يقول: عبيدك بفنائك. سائلك بفنائك. فقيرك بفنائك، قال طاووس: فوالله ما دعوت بها في كرب قط إلا كشف عني. وذكروا أنه كان كثير الصدقة بالليل، وكان يقول صدقة الليل تطفئ غضب الرب، وتنور القلب والقبر، وتكشف عن العبد ظلمة يوم القيامة، وقاسم الله تعالى ماله مرتين.
وقال محمد بن إسحاق: كان ناس بالمدينة يعيشون لا يدرون من أين يعيشون ومن يعطيهم، فلما مات علي بن الحسين فقدوا ذلك فعرفوا أنه هو الذي كان يأتيهم في الليل بما يأتيهم به. ولما مات وجدوا في ظهره وأكتافه أثر حمل الجراب إلى بيوت الأرامل والمساكين في الليل. وقيل إنه كان يعول مائة أهل بيت بالمدينة ولا يدرون بذلك حتى مات. ودخل علي بن الحسين على محمد بن أسامة بن زيد يعوده فبكى ابن أسامة فقال له ما يبكيك؟ قال: علي دين، قال: وكم هو؟ قال خمسة عشر ألف دينار - وفي رواية سبعة عشر ألف دينار - فقال: هي علي وقال علي بن الحسين: كان أبو بكر وعمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته بمنزلتهما منه بعد وفاته. ونال منه رجل يوما فجعل يتغافل عنه - يريه أنه لم يسمعه - فقال له الرجل: إياك أعني، فقال له علي: وعنك أغضي. وخرج يوما من المسجد فسبه رجل فانتدب الناس إليه، فقال: دعوه، ثم أقبل عليه فقال: ما ستره الله عنك من عيوبنا أكثر، ألك حاجة نعينك عليها؟ فاستحيا الرجل فألقى إليه خميصة كانت عليه، وأمر له بألف درهم، فكان الرجل بعد ذلك إذا رآه يقول: إنك من أولاد الأنبياء. قالوا: واختصم علي بن الحسين وحسن بن حسن - وكان بينهما منافسة - فنال منه حسن بن حسن وهو ساكت، فلما كان الليل ذهب علي بن الحسين إلى منزله فقال: يا بن عم إن كنت صادقا يغفر الله لي، وإن كنت كاذبا يغفر الله لك والسلام عليك، ثم رجع، فلحقه فصالحه. وقيل له من أعظم الناس خطرا؟ فقال:
من لم ير الدنيا لنفسه قدرا، وقال أيضا: الفكرة مرآة تري المؤمن حسناته وسيئاته، وقال: فقد الأحبة غربة، وكان يقول: إن قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، وآخرون عبدوه رغبة فتلك عبادة التجار، وآخرون عبدوه محبة وشكرا فتلك عبادة الأحرار الأخيار. وقال لابنه: يا بني لا تصحب فاسقا فإنه يبيعك بأكلة وأقل منها يطمع فيها ثم لا ينالها، ولا بخيلا فإنه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه، ولا كذابا فإنه كالسراب يقرب منك البعيد ويباعد عنك القريب، ولا أحمق