قال فاستحيت وقالت: أما هذا فلا أحفظه ولكن سمعتهم يحكونه عنه، ولكن أحفظ له قوله:
كأني أنادي صخرة حين أعرضت * من الظلم لو تمشي بها العصم زلت صفوح فما تلقاك إلا بخيلة * ومن مل منها ذلك الوصل ملت قال فقضى لها حاجتها وردها ورد عليها ظلامتها وقال: أدخلوها الحرم ليتعلموا من أدبها.
وروى عن بعض نساء العرب قالت: اجتازت بنا عزة فاجتمع نساء الحاضر إليها لينظرن حسنها، فإذا هي حميراء حلوة لطيفة، فلم تقع من النساء بذاك الموقع حتى تكلمت فإذا هي أبرع النساء وأحلاهن حديثا، فما بقي في أعيننا امرأة تفوقها حسنا وجمالا وحلاوة. وذكر الأصمعي: عن سفيان بن عيينة قال: دخلت عزة على سكينة بنت الحسين فقالت لها: إني أسألك عن شئ فأصدقيني، ما الذي أراد كثير في قوله لك:
قضى كل ذي دين فوفى غريمه * وعزة ممطول معنى غريمها فقالت: كنت وعدته قبلة فمطلته بها، فقالت: أنجزيها له وإثمها علي، وقد كانت سكينة بنت الحسين من أحسن النساء حتى كان يضرب بحسنها المثل. وروى أن عبد الملك بن مروان أراد أن يزوج كثيرا من عزة فأبت عليه وقالت: يا أمير المؤمنين أبعد ما فضحني بين الناس وشهرني في العرب؟ وامتنعت من ذلك كل الامتناع، ذكره ابن عساكر. وروى أنها اجتازت مرة بكثير وهو لا يعرفها فتنكرت عليه وأرادت أن تختبر ما عنده، فتعرض لها فقالت: فأين حبك عزة؟ فقال: أنا لك الفداء لو أن عزة أمة لي لوهبتها لك، فقالت، ويحك لا تفعل ألست القائل:
إذا وصلتنا خلة كي تزيلنا * أبينا وقلنا الحاجبية أول؟
فقال: بأبي أنت وأمي، أقصري عن ذكرها واسمعي ما أقول:
هل وصل عزة إلا وصل غانية * في وصل غانية من وصلها بدل قالت: فهل لك في المجالسة؟ قال: ومن لي بذلك؟ قال: فكيف بما قلت في عزة؟ قال:
أقلبه فيتحول لك، قال فسفرت عن وجهها وقالت: أغدرا وتناكثا يا فاسق، وإنك لها هنا يا عدو الله، فبهت وأبلس ولم ينطق وتحير وخجل، ثم قالت: قاتل الله جميلا حيث يقول: - محا الله من لا ينفع الود عنده * ومن حبله إن صد غير متين ومن هو ذو وجهين ليس بدائم * على العهد حلافا بكل يمين ثم شرع كثير يعتذر ويتنصل مما وقع منه ويقول في ذلك الاشعار ذاكرا وآثرا. وقد ماتت عزة بمصر في أيام عبد العزيز بن مروان، وزار كثير قبرها ورثاها وتغير شعره بعدها، فقال له قائل: ما بال شعرك تغير وقد قصرت فيه؟ فقال: ماتت عزة ولا أطرب، وذهب الشباب فلا أعجب، ومات