اجتمع الرؤساء من كل قبيلة فاشتوروا فيها وفصلوها ولا يعقد عقد لواء ولا عقد نكاح إلا بها ولا تبلغ جارية أن تدرع فتدرع إلا بها وكان باب هذه الدار إلى المسجد الحرام. ثم صارت هذه الدار فيما بعد إلى حكيم بن حزام (1) بعد بني عبد الدار فباعها في زمن معاوية بمائة ألف درهم فلامه على بيعها معاوية، وقال بعت شرف قومك بمائة ألف؟ فقال إنما الشرف اليوم بالتقوى والله لقد ابتعتها في الجاهلية بزق خمر وها أنا قد بعتها بمائة ألف وأشهدكم أن ثمنها صدقة في سبيل الله فأينا المغبون. ذكره الدارقطني في أسماء رجال الموطأ وكانت إليه سقاية الحجيج فلا يشربون إلا من ماء حياضه وكانت زمزم إذ ذاك مطموسة من زمن جرهم قد تناسوا أمرها من تقادم عهدها ولا يهتدون إلى موضعها قال الواقدي: وكان قصي أول من أحدث وقيد النار بالمزدلفة ليهتدي إليها من يأتي من عرفات. والرفادة وهي إطعام الحجيج أيام الموسم إلى أن يخرجوا راجعين إلى بلادهم.
قال ابن إسحاق: وذلك أن قصيا فرضه عليهم فقال لهم: يا معشر قريش إنكم جيران الله وأهل مكة وأهل الحرم، وأن الحجاج ضيف الله وزوار بيته، وهم أحق بالضيافة، فاجعلوا لهم طعاما وشرابا أيام الحج، حتى يصدروا عنكم. ففعلوا فكانوا يخرجون لذلك في كل عام من أموالهم خرجا فيدفعونه إليه، فيصنعه طعاما للناس أيام منى. فجرى ذلك من أمره في الجاهلية حتى قام الاسلام، ثم جرى في الاسلام إلى يومك هذا. فهو الطعام الذي يصنعه السلطان كل عام بمنى للناس حتى ينقضي الحج.
قلت: ثم انقطع هذا بعد ابن إسحاق ثم أمر بإخراج طائفة من بيت المال فيصرف في حمل زاد وماء لأبناء السبيل القاصدين إلى الحج وهذا صنيع حسن من وجوه يطول ذكرها، ولكن الواجب أن يكون ذلك من خالص بيت المال، من أحل ما فيه والأولى أن يكون من جوالي الذمة لأنهم لا يحجون البيت العتيق وقد جاء في الحديث: " من استطاع الحج فلم يحج فليمت إن شاء يهوديا أو نصرانيا " (2).
وقال قائلهم (3) في مدح قصي وشرفه في قومه:
قصي لعمري كان يدعى مجمعا * به جمع الله القبائل من فهر