وكتب إلى أرسطاطاليس يذكر له أن من خاصة الروم جماعة لهم همم بعيدة ونفوس كبيرة وشجاعة وأنه يخافهم على نفسه ويكره قتلهم بالظنة فكتب إليه أرسطاطاليس فهمت كتابك فإن ما ذكرت من بعد هممهم فإن الوفاء من بعد الهمة وكبر النفس والغدر من دناءة النفس وخبثها وأما شجاعتهم ونقص عقولهم فمن كانت هذه حاله فرفهه في معيشته واخصصه بحسان النساء فإن رفاهية العيش تميت الشجاعة وتحبب السلامة وإياك والقتل فإنه زلة لا تستقال وذنب لا يغفر وعاقب بدون القتل تكن قادرا على العفو فما أحسن العفو من القادر وليحسن خلقك تخلص لك النيات بالمحبة ولا تؤثر نفسك على أصحابك فليس مع الاستئثار محبة ولا مع المواساة بغضة.
وكتب إلى أرسطاطاليس أيضا لما ملك بلاد فارس يذكر له أنه رأى بإيران شهر رجالا ذوي رأي وصرامة وشجاعة وجمال وأنساب رفيعة وإنه إنما ملكهم بالحظ والإنفاق وإنه لا يأمن إن سافر عنهم ففارقهم وثوبهم وأنه لا يكفي شرهم إلا ببوارهم.
فكتب إليه قد فهمت كتابك في رجال فارس فأما قتلهم فهو من الفساد والبغي الذي لا يؤمن عاقبته ولو قتلتهم لا ثبت أهل البلد أمثالهم وصار جميع أهل البلد أعداءك بالطبع وأعداء عقبك لأنك تكون قد وترتهم في غير حرب وأما إخراجك إياهم من عسكرك فمخاطرة بنفسك وأصحابك ولكني أشير عليك برأي هو أبلغ من القتل وهو أن تستدعي منهم أولاد الملوك ومن يصلح للملك فتقلدهم البلدان وتجعل كل واحد منهم ملكا برأسه فتفرق كلمتهم ويقع بأسهم بينهم ويجتمعون على الطاعة والمحبة لك ويرون أنفسهم صنيعتك.
ففعل الإسكندر ذلك فهم ملوك الطوائف وقيل في ملوك الطوائف غير هذا السبب ونحن نذكره إن شاء الله.