يعنى قصر الرصافة، حصن دون دار الخلافة ببغداد مبنى بالحجارة وفيه بيعة عظيمة ظاهرها بالفص المذهب أنشأه قسطنطين بن هيلانة وجدد الرصافة وسكنها هشام بن عبد الملك وكان يفزع إليها من البق في شاطئ الفرات، وتحت البيعة صهريج في الأرض على مثل بناء الكنيسة معقود على أساطين الرخام مبلط بالمرمر مملوء من ماء المطر، وسكان هذا الحصن بادية أكثرهم نصارى، معاشهم تخفير القوافل وجلب المتاع والصعاليك مع اللصوص، وهذا القصر في وسط برية مستوية السطح لا يرد البصر من جوانبها إذ الأفق، ورحلنا منها إلى حلب في أربع رحلات، وكان ابن بطلان كتب هذه الرسالة في سنة 440، وحدث برصافة الشام أبو بكر ممد بن مسلم بن شهاب الزهري، فروى عنه من أهلها أبو منيع عبيد الله بن أبي زياد الرصافي، وكان الحجاج من العلماء كان أعلم الناس بخلق الفرس من رأسه إلى رجله وبالنبات، روى عنه هلال بن العلاء الرقي وغيره، وكان ثقة ثبتا حديثه في الصحيح، ومات في سنة 221، قاله ابن حباب. وقال محمد بن الوليد:
أقمت مع الزهري بالرصافة عشر سنين، وقال مدرك ابن حصين الأسدي وكان قدم الشام هو ورجل من بنى عمه يقال له ابن ما هي وطعن ابن ما هي فكبر جرحه فقال:
عليك ابن ما هي ليت عينك لم ترم بلادي وإن لم يرع إلا درينها ويا ذكرة والنفس خائفة الردى مخاطرة والعين يهمي معينها ذكرت وأبواب الرصافة بينها وبيني وجعدياتها وقرينها وصفين والنهى الهنئ ولجة من البحر موقوف عليها سفينها بدائبة للحفر فيها عجاجة، وللموت أخرى لا يبل طعينها وقال جرير:
طرقت جعادة بالرصافة أرحلا من رامتين لشط ذاك مزارا وإذا نزلت من البلاد بمنزل وفى النحوس وأسقى الأمطارا رصافة قرطبة: وهي مدينة أنشأها عبد الرحمن ابن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان، وهو أول من ملك الأندلس من الأموية بعد زوال ملكهم، أنشأها وسماها الرصافة تشبيها، ونظر فيها إلى نخلة منفردة فقال:
تبدت لنا وسط الرصافة نخلة تناءت بأرض الغرب عن بلد النخل فقلت: شبيهي بالتغرب والنوى وطول الثنائي عن بنى وعن أهلي نشأت بأرض أنت فيها غريبة، فمثلك في الاقصاء والمنتأى مثلي سقتك غوادي المزمن صوبها الذي يسح ويستمري السماكين بالوبل وقال ابن الفرضي: هذه الأبيات لعبد الملك بن بشر ابن عبد الملك بن مروان، وكان قد دخل الأندلس أيام عبد الملك بن مروان، وقال أبو الوليد بن زيدون يذكر رصافة قرطبة:
على المنعت السعدي منى تحية زكت، وعلى وادى العقيق سلام