الذهن السليم والذكاء الذي على كبر السن لا يريم ولولا أن نوع الانسان مجبول على النسيان لكان معدوما فيه فلم يكن في الحفظ وقلة النسيان من يماثله بل ولا من يدانيه بحيث انه لم يمت حتى كان قصارى الماهر في العلم ان ينسب نفسه إليه ويتبجح بالقراءة عليه وكان عظيم القراء وعين أهل الاسلام وعالمهم وإمامهم ومعلمهم ويعولون عليه في كل المهمات الدينية ولا يستغنون عنه في الأمور الدنيوية يفزع إليه في حل المشكلات فيحلها ويقصد لكشف المعضلات فيكشفها ولا يمهلها، كان الشيخ بهاء الدين بن عقيل يقول أحق الناس بالفتيا في زمانه وقد كتب له الأستاذ أبو حيان وله من العمر دون العشرين: قرأ علي الشيخ الفقيه العالم المفنن سراج الدين عمر البلقيني جمع الكافية في النحو قراءة بحث وتفهم وتنبيه على ما أغفله الناظم فكان يبادر إلى حل ما قرأه علي من مشكل وغيره فصار بذلك إماما ينتفع به في هذا الفن العربي مع ما منحه الله تعالى من علمه بالشريعة المحمدية بحيث نال في الفقه وأصوله الرتبة العليا وتأهل للتدريس والقضاء والفتيا على مذهب ابن إدريس رضي الله عنه، وقال شيخنا الحافظ برهان الدين سبط ابن العجمي: كان فيه من قوة الحافظة وشدة الذكاء ما لم يشاهد في مثله، أخبرني في رحلتي الأولى إلى القاهرة بمدرسته انه لما قدم شرف الدين ابن قاضي الجبل الحنبلي نزل في قصر بشتك فدعاه شخص إلى الجيزة وحضرت معه في جماعة من علماء
(٢١٢)