وبعد أن أكمل حديثه حانت من الولد البار الشاكري التفاتة إلى والده الروحي، فوجد إحدى عينيه حمراء ملتهبة كأنها علق دم من كثرة الكتابة والمطالعة، وشاهده في حالة يرثى لها من الإجهاد والانهيار والتعب، فقال له:
شيخنا، الله الله في صحتك، ورفقا بحالك وحالنا، أنتم اليوم لستم ملكا لأنفسكم فحسب بل لأمير المؤمنين (عليه السلام) وللأمة الإسلامية كلها.
قال له هذه الكلمات وهو ينظر إليه ويرى آيات التعب والنصب قد بدت على محياه، غير أنه (قدس سره) ذلك البطل العملاق، بل ذلك الجبل الأشم، عرفه كل من عرفه لا يعبأ بمثل هذه الأتعاب ولا تحركه العواصف، ولا يخضع إلا أمام هدفه السامي المقدس، الذي تحدوه إليه عقيدة راسخة وقدم ثابت في ميدان الولاء للنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ولأهل بيته الأطهار (عليهم السلام). فهو شديد الولاء عميق الإيمان متفان في حب أهل البيت (عليهم السلام)، لا يبالي في تحقيق أهدافهم أن تدك السماء أو تصعد الأرض إلى السماء.
فقال الشاكري لسماحته: هل لكم من عمل أقوم بإنجازه خدمة لسيدي ومولاي أمير المؤمنين (عليه السلام)؟ فرمى إليه الشيخ بطرفه الكريم وقد انفتحت أسارير وجهه، وعلته ابتسامة وتهلل فرحا وهو يقول: نحن الآن في أمس الحاجة إلى تصوير كمية من هذا التراث الإسلامي ونقله إلى جامعة النجف الأشرف، ليقف عليه الباحثون من رجالاتنا هناك.
وحين أعلمه الشاكري أنه مستعد لدفع ثمن ذلك مهما كلف. استبشر الوالد وانشرح صدره وظهرت عليه آيات السرور، وكأن هما ثقيلا قد أزيح عنه، وقال:
كنت قبل قليل أدعو الله وأتضرع إليه بحق سيدنا ومولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يقيض لي رجلا من مواليه ومحبيه يقوم بهذه المهمة، ولم أنته من دعائي وتضرعي إلا وأنت قائم على رأسي، فهنيئا لك، ودعا له بالتوفيق وقبول الأعمال.
فقال الشاكري: ما كان بالحسبان أن أزوركم في دمشق، فإني كنت على وشك أن أعود إلى العراق، ولكن بجذب ملكوتي خطر في ذهني أن أزوركم أولا ثم