دفتر أيامه.
تطلب منه تأليفه المرور بعشرات الألوف من الكتب المطبوعة والمخطوطة، ومطالعة عشرات الآلاف من المجلدات بجميع صحائفها، مطالعة تمحيص وتدقيق، فأجاب الطلب ولبى النداء بكل عزم وصلادة، ووطد نفسه للصعاب، ورضخ أمام الواقع، وكابد الموانع والحواجز فاستسلمت له وانزاحت عن طريقه، وتركت له ميدان المعركة خلوا من كل شاغل، ليصول بها ويجول، ثم يدفع أشعة عينيه، وقواه الفكرية، وطاقاته الجسمية ثمن ذلك، ويخرج من المعركة ظافرا، قد خلد في سجل التأريخ الحقيقة ناصعة وضاءة، مشرقة كالشمس.
لم ينته شيخنا الوالد من طبع كتابه " شهداء الفضيلة " عام 1345 ه حتى رآى أن موسوعته الخالدة " الغدير " تطلب منه التفرغ له بكله، وبذل جل جهوده في سبيله، وليتسنى له إخراجه إلى عالم الوجود.
لذلك ترك البحث والتدريس، وغلق على نفسه باب التردد على الأندية والمجتمعات، وجلس في داره معتكفا بمكتبته الخاصة، متفرغا للجهاد في هذا الميدان الديني المقدس، محتما على نفسه الكتابة والمطالعة ست عشرة ساعة في الليل والنهار، وإن كانت الطريقة هذه في الحياة مجهدة وخارجة عن القدرة الفردية، كل ذلك ولها منه، وتعشقا إلى رسالته الخالدة في الدفاع عن ناموس الإسلام، ورد كيد الباغين عليه، وأداء للمسؤولية الدينية التي كان يحس بها، ولم يشعر في الحياة بخطورة أمر أكثر منها.
ولم ير فرحا مستبشرا طيلة انشغاله في بحث كتابه هذا، إلا عند عثوره على مصدر من المصادر التي كان يهمه الوقوف عليها، أو إنهائه تصحيح سند من أسانيد الأحاديث النبوية التي كان يعمل فيها، أو التعرف على ترجمه صحابي أو محدث مجهول، أو إسناد حديث مرسل، وربما قضى في ترجمة رجل في سند حديث نبوي أو تصحيح لفظه أكثر من عشرة أيام يصرف عليه ليله ونهاره.
وعلى إثر هذه الخطوة المجهدة والعمل المضني لم تكن حياة شيخنا الوالد