وقف (صلى الله عليه وآله وسلم) خطيبا بين تلكم الجموع المحتشدة المتراصة - وبعد خطبة بليغة - قائلا: " من أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ " قالوا: الله ورسوله، قال: " اللهم اشهد " عندها رفع أخاه وابن عمه علي بن أبي طالب حتى بان بياض إبطيه، ثم قال: " من كنت مولاه فعلي مولاه " ثم أردف قائلا: " اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيثما دار ".
ثم أمر (صلى الله عليه وآله وسلم) أن تفرد له خيمة يجلس فيها علي بن أبي طالب (عليه السلام) لمبايعته بالخلافة وإمرة المؤمنين، وترادف عليه المسلمون يبايعونه، وكان في مقدمتهم الشيخان أبو بكر وعمر قائلين: بخ، بخ لك يا بن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.
كان هدف الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في اتخاذ كل تلكم الإجراءات السريعة والتدابير الصارمة هو تبليغ أمر السماء بالولاية لعلي والإمرة والخلافة، تثبيتا لدعائم الدين واستمرارا في حكم الإسلام ودوامه، وعلى رغم كل تلكم الإجراءات لم ينقض على هذه البيعة سوى سبعون يوما فقط حتى التحق الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بالرفيع الأعلى، وانقلبت الأمة، وتحقق منطوق الآية الشريفة: * (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) * إلى آخر الآية.
فنقول: خلال قرن كامل من الزمان لم يستطع أي مسلم أن يدون الحديث ولم يتمكن أي أحد ان يسجل الوقائع التأريخية، ولا يجرؤ أن يتحدث الناس حتى فيما بينهم بحديث واحد، وحتى يستشهد بحديث في حكم شرعي، إلا أن التابعي الجليل سليم بن قيس الهلالي المتوفى سنة " 76 ه " استطاع ان يخترق جدار الحضر وأن يتحدى السلطان حينذاك، ويتجاوز المحاذير المفروضة وسجل الوقائع المهمة التأريخية، ودونها بصورة سرية وحذرة في كتابه المعروف باسمه " سليم بن قيس الهلالي " الذي أيده الإمام السجاد (عليه السلام) وأقره، والذي لا يزال منتشرا بين ظهرانينا خاصة، وبين المسلمين عامة في معظم المكتبات العامة والخاصة بعد ما دون الحديث خواص أمير المؤمنين (عليه السلام) أمثال أبي رافع وابنه.