وحنكتهم السياسية، ووحدة كلمتهم أن يشقوا صفوف الأنصار، ويفككوا وحدتهم بإثارة الأحقاد القبلية وإعادة الصراعات الجاهلية فيما بينهم - أي بين الأوس والخزرج - التي قضى عليها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأماتها ووحد صفوفهم في أول دعوته حينما قدم يثرب، وكانت من أهم خطط القوى الانقلابية - بعد تغلبهم - إقدامهم والمنتفعين من أتباعهم، على تذويب وتمييع حادثة الغدير وتناسيها بكل ما أوتوا من قوة ودهاء كما استطاعوا كم الأفواه، وشل العقول، وتقييد الإرادة، وشد الأيدي، وتحريف الواقع، وتزييف الحقيقة، والإصرار على زحزحة الأمر عن مقره، وبناء الحكم على غير أساسه، ودفع الخليفة الشرعي عن منصبه الذي نصبه الله عز وجل فيه، وتجاهل تبليغ رسالة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في نصب علي أميرا للمؤمنين وخليفة لرسول رب العالمين، وحرفه عن هدفه.
وبقي حديث واقعة الغدير، وذكرياته في صدور المؤمنين من أتباع أهل البيت مكبوتة، وفي خواطرهم ثائرة، وانقضى القرن الأول والأمور تزداد سوءا، وتعقيدا، بكم الأفواه والتشديد على منع وحضر كتابة الحديث بصورة عامة، وحديث الغدير بصورة خاصة.
ومن جهة أخرى أطلقت الأفواه المنتنة، والأصوات المبحوحة، والأقلام المأجورة، في بث الإعلام الكاذب وتزييف الحقائق، وتحوير الواقع، وقد خرجت بعض الأقلام المأجورة حديث الغدير بتخريجات واهية أوهى من خيوط العنكبوت، وخنقوا صوت الرسول العظيم (صلى الله عليه وآله وسلم) والنداء الذي أطلقه في يوم العهد المعهود في الموقع المشهود المسمى ب " غدير خم " قرب الجحفة بعد رجوعه من حجة الوداع، على مفترق طرق الحجيح، وذلك في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة الحرام في السنة العاشرة من الهجرة النبوية المباركة، رافعا عقيرته بين تلك الجموع المتداككة والتي تربو على المائة ألف من المسلمين، وفي رواية مائة وعشرين ألفا، مبلغا ما أمر الله سبحانه أن يبلغ، ومهددا بعدم تبليغ رسالته إن لم يفعل بقوله سبحانه: * (يا أيها الرسول بلع ما انزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته) * إلى آخر الآية.