إلى أن قال لهارون: اني قد حققت أمر هشام وعلمت أنه يعتقد ويزعم أن في وجه الأرض إماما مفترض الطاعة غيرك. فقال: سبحان الله. فقال: هو كذلك حتى أنه يهيأ للخروج لو أمره به. فأمر يحيى أن يجمع أئمة علم الكلام يناظر كل منهم مع الآخر ويسمع كلامهم من وراء الحجاب.
فلما حضر ضرار وسليمان بن جرير وعبد الله بن يزيد الأباضي ورأس الجالوت، فاشتغلوا بالمباحثة والتكلم وطالت المشاجرة، فاحضر هشام مع نقاهته وأرسل رسولا إليه، وبالغ في الحضور والقدوم.
ثم قال يونس: فلما أتى إليه الرسول وأخبره الخبر توجه إلي وقال: لا أخطر بالبال إجابة السؤال وأخاف الغدر وتمهد مقدمة لا أطلع عليها، فان خاطر هذا الملعون بواسطة عدة أمور علي متغير، وكان عزمي ان عافاني الله تعالى من المرض وشفاني الذهاب إلى الكوفة واختيار العزلة وسد الباب على نفسي، وترك المعاشرة والاشتغال بالعبادة، والاعراض عن المكالمة مع المخالفين، وعدم رؤية هذا الملعون.
فقال يونس قلت له: لا يك ذلك الا خيرا وعليك بالتحرز من شرهم بقدر الامكان. فقال هشام: يا يونس أنت تزعم أني أحترز عن أمر اجرى الله تعالى اظهاره على لساني، ولا يتصور ذلك في حقي، قم حتى أذهبا إليه بحول الله وقوته.
ثم قال يونس: فركب هشام على بغلة مرسلة إليه، وركبت أنا على حمار، فوردنا على مجلسه وهو مشحون من أئمة علماء الحكمة والكلام، فسلم وسبق إلى أن جلس في قرب يحيى وجلست في وسط المجلس، فأمره يحيى أن يحكم بينه وبين أهل المجلس في المناظرات الواقعة بينهم.
فحقق هشام كلام الطرفين، فحكم مستقلا على بعض ولبعض، فزاده بغضا وحسدا له، فتوجه يحيى إلى هشام وقال: اليوم لكثرة المناظرة والمجاهدة قد حصل الملال مع القيل والقال، أريد منك بيان فساد اختيار الناس في تعيين الامام، وتوضيح أن الإمامة حق لآل الرسول صلى الله عليه وآله، فاعتذر هشام وقال: ان المرض قد عجزني ولا أستطيع على المناظرة، فلو اعترض علي أحد فيمكن أن لا أخرج عن