فقال يحيى: انهما لم يكونا على الخطأ بل هما مصيبان، إذ ليس في الحقيقة بينهما خصومة واختلاف، واظهار المخالفة على الظاهر انما هي لتنبيه داود عليه السلام على الخطأ الواقع منه واخباره عن حكم الله.
فقال هشام: انا أيضا نقول بمثل هذا الكلام في حق علي عليه السلام وعباس رضي الله عنه، إذ لم يكن في الحقيقة مخاصمة بينهما، وانما أظهر المخالفة تنبيها على أبي بكر من الغلط الذي صدر منه في غصب الخلافة ومنع ارث الرسول صلى الله عليه وآله، فلم يكن النزاع الا صوريا حتى يقف أبا بكر على خطأه وظلمه في الخلافة ومنع الإرث.
فصار يحيى ملزما، واستحسنه الرشيد، وليس ذلك من باب التأييد، نعم وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
وقد نقل أيضا في الكتاب أن هارون الرشيد كان طالبا لاستماع كلمات هشام مع علماء الخوارج، فأمر أن يحضروه مع عبد الله بن يزيد الأباضي رئيس علمائهم في مجلس واحد، فجلس الرشيد في موقف يستمع كلامهما ويختفي شخصه عنهما، فقال هارون ليحيى البرمكي: أن يسأل عبد الله عنه، فلما سمع هشام هذا الكلام قال: ليس للخوارج سؤال علينا، فقال عبد الله: لم ذلك؟ فقال: لان في قومك جمعا اتفقوا على ولاية رجل وأقروا على فضله وامامته، ثم بعد ذلك فارقنا وأظهروا العداوة والبغضاء لذلك الرجل وتبرؤا منه، ونحن على الرأي والاجماع السابق، وشهادتهم دليل لنا ومخالفتهم غير قادحة في مذهبنا، ودعواهم علينا غير مقبولة، إذ الاختلاف لا يعادل الوفاق، وشهادة الخصم للخصم مقبولة وعليه مردودة.
فقال يحيى: يا هشام قد قربته على الالزم لكن عليك بمراعاة المماشاة وترك الاستمرار على الجدل، فقال: يا يحيى المقصود من المناظرة هو اظهار الصواب ورعاية الانصاف، فربما ينجر الكلام بمحل غامض دقيق يختفي على بعض الافهام تحقيقه، فاذن يأتي أحد الخصمين في مقام المكابرة والعناد وينكب عن بينة الانصاف والسداد.
وإذا كان المقصود من انكشاف الحق وبروز الصواب، فلابد أن يناظره على