عهدة الجواب، فلم يقبل عذره وبالغ في الكلام، فلا جرم شرع هشام في المكالمة وبلغت إلى النهاية.
فقال يحيى لسليمان بن جرير: سل من أبي محمد شيئا، فقال: أخبرني عن علي بن أبي طالب عليه السلام هل هو مفترض الطاعة أم لا؟ فقال هشام: نعم. ثم قال سليمان: فإن كان الذي بعده امام يأمرك بالخروج مع السيف فهل تطيعه؟ فقال هشام: لا يأمرني البتة. فقال: لم لا يأمر إذا كان طاعته مفروضة عليك؟ فقال: تجاوز عن هذا السؤال إذ قد ظهر جوابه.
فقال سليمان: انه يعلم من كلامك أنك تطيعه في زمان ولا تطيعه في زمان آخر.
فقال: لم أقل لا أطيعه بل قلت: انه لا يأمرني بالخروج. فقال سليمان: أنا أسألك على سبيل الجدل، وأقول: انه ما لم يأمرك لا يجب عليك شئ ولكن إذا أمرك بالخروج فما تفعل؟ فقال هشام: أما تخاف ان قلت إذا أمرني فلابد لي من الخروج وصرت ملزما بأقبح الوجوه، وأني أعلم أن مآل هذا الكلام ينتهي إلى بعض المقامات، فلا أريد الشجاعة في الكلام والاقتحام في المرام.
فلما سمع هارون منه هذه المقالات، فانقبض وجهه وأذن بمراجعتهم، فاغتنم هشام ولم يتوقف في بغداد وتوجه إلى المدائن، فبلغ له الخبر أن الرشيد أمر يحيى بالمؤاخذة من هشام وأصحابه، وأرسل إلى الامام السابع عليه السلام وأحضره وبعده حبسه، وقد كان هشام مختفيا في الكوفة في مدة، وأبرم يحيى في استظهاره والمؤاخذة منه، فلم يظفر به إلى أن مات فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين (1).
ثم لا يخفي هذا الرجل من حواري الامام الهمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام وولده الإمام موسى بن جعفر عليهما وعلى آبائهما السلام والتحية، بل هو من أجلهم وأعظمهم، لم يكن مثله في علم الكلام، فائق على كل متكلم، لا يناظر معه أحد وهو ملزم مغلوب بأحسن المقالة وأحلى المناظرة، وكل من تأخر عنه اقتبس