فقبل النصح فذات يوم كان مأموما على أخيه، فانقطع الصلاة في البين وخرج من المسجد واستقر على مكانه، فصار ذلك سببا لمزيد شكاية أخيه عند والدته، فقال لها: انه اليوم فضحني وشنعني، فياليت لم يصل بي،.
فأحضرته وأظهرت ما فعل بأخيه وعاتبته من تلك الوقعة، فقال لها: يا أماه ان أخي لم يصل انما جال في بحر الدم، واللبيب يأتم بمن هو يصلي لا بمن يكون نظره إلى الاشتغال، فسألت عن المرتضى، فقال: اني في وقت الصلاة وقراءة الحمد والسورة كنت ملتفتا إلى مسألة الحيض وتنقيح مدركه، وهذا منه من العجائب، وليس ذلك الا من الرياضة وتصفية القلب، فيكون من أخوان الصفا، وله حكايات أخر لا أرى البحث وايرادها كثير الفائدة.
ترجمة الشيخ المفيد وثالثهم: الشيخ المفيد أبو عبد الله. قال العلامة في الخلاصة: محمد بن محمد بن النعمان يكنى بأبي عبد الله يلقب ب " المفيد " وله حكاية في سبب تسميته بالمفيد ذكرناها في كتابنا الكبير، ويعرف ب " ابن المعلم " من أجل أنه مشايخ الشيعة ورئيسهم واستادهم، وكل من تأخر عنه استفاد منه، وفضله أشهر من أن يوصف في الفقه والكلام والرواية، أوثق أهل زمانه وأعلمهم، انتهت رئاسة الإمامية إليه. وكان حسن الخاطر، دقيق الفطنة حاضر الجواب، له قريب من مائتي مصنف كبار وصغار.
ومات قدس سره ليلة الجمعة لثلاث خلون من شهر رمضان سنة ثلاث عشرة وأربعمائة، وكان مولده يوم الحادي عشر من ذي القعدة سنة ست وثلاثين وثلاثمائة، وقيل: ثمان وثلاثين، وصلى عليه الشريف المرتضى أبو القاسم علي بن الحسين بميدان الأشنان، وضاق على الناس مع كبره، ودفن في داره سنتين، ثم نقل إلى مقابر قريش ما يقرب من الامام السيد أبي جعفر الجواد عليه السلام عند الرجلين في جانب قبر شيخه الصدوق أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه (1).