لتميز الشك واليقين والصحيح والسقيم منها، فكيف يمكن أن يخلو الخلائق الكثيرة من امام يرجعون إليه عند الحيرة والشك؟ فسكت وصار متأملا، ثم بعد لحظة ارتفع رأسه والتفت إلي وقال: هل أنت هشام بن الحكم؟ قلت: لا. ثم قال: هل أنت مجالسه؟
قلت: لا. فقال: من أهل أي محلة؟ فقلت: من الكوفة. فقال: أنت هشام ثم قام وأجلسني في مقامه ولم يتكلم بكلام حتى خرجت من المجلس. فإذا أتممت القصة ضحك ثم قال عليه السلام: ممن تعلمت هذا المضمون؟ قلت: يا بن رسول الله لم أتعلم من أحد الا أنه جرى الله تعالى على لساني. ثم قال الإمام عليه السلام : والله أنه في صحف إبراهيم وموسى (1).
وأيضا ذكر في مختار كش قال النظام لهشام في يوم: ان أهل الجنة لم يكونوا مؤبدين في الجنة، إذ يلزم من بقاء السرمدي الأبدي في الجنة، كونه كبقاء الله تعالى من كونه أبديا أزليا سرمديا. فقال: انه لا يلزم من بقاء الأبدي في الجنة المماثلة مع بقاء ذات الباري تعالى، فان بقاءهم فيها بالمبقي والمؤبد، وهو الله تعالى باق بدونه.
ثم قال على سبيل المكابرة: ان كونهم في الجنة مخلدين محال، بل يعرض لهم الغشوة في الجنة. فقال هشام: ان الله تعالى ذكر في كتابه الكريم (وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين) قال: نعم فقال: فإذا تطلب الأنفس البقاء الأبدي من الله السرمدي الأزلي يجب أن يحصل لهم. فقال: ان الله تعالى لم يجعل لهم ذكرا بهذا الطلب، ولم يعطهم هذا المطلوب في خاطرهم، ولم يكن لهم سبيل إليه.
فقال له: فإذا جاز الخمود والغشوة لأهل الجنة، فيجوز أن ينظر أحد منهم بفاكهة تجرد يرتفع يده لقطع الفاكهة يخفض الشجر رأسه ويقبل إليه ويستقيم يده لاخذها، ثم يرى فاكهة شجر اخر أعلى من الأول، فيستقيم يده الأخرى بفاكهة الآخر، وفي هذه الحالة التي يستمسك اليدان بالشجرين يحصل له الغشوة والخمود، فيرتفعان ويبقى مصلوبا، ولم يكن في الجنة مصلوب البتة.