في الباطن أرسل إلي رسولا فرامني عنده، فلما نزلت إليه قال لي: فما تقول في شخص منا يريد الخروج على المتغلبين والمتنكبين، ويدلك على الوفاق والرفاق والبيعة له في هذا الامر، فهل توافقه أم لا؟
فقلت: إن كان ذلك الداعي أبوك أو أخوك أو ابن أخيك فنعم نقتفي أثره، قال: فانا نجاهد مع بني أمية ونخرج عليهم فاتبعني ووافقني، فقلت له: جعلت فداك لا أرافقك في هذا العمل، فقال: تضايق نفسك عني؟ فقلت: ان لي نفسا واحدة لابد من صرفها إلى طريق الحق والصواب.
ثم قلت: لو كان في وجه الأرض حجة بالضرورة فمن تخلف عنك واتبع الصواب فهو ناج وله الفلاح، ومن تبعك في الخروج فهو هالك. ولو لم يكن في وجه الأرض حجة، فمن خرج معك ومن تخلف عنك فهما سيان،.
فاذن قال: يا أبا جعفر أن كثيرا ما كنت عند أبي في سفرة واحدة، فيبرد الغذاء لي ويضع اللقمة في فمي اشفاقا بي ومرحمة علي، فمن لم يرض أن يصل إلي حرارة اللقمة كيف يرضى أن نقع في نار الجحيم؟ فيختفي عني الحجة ويظهره لك.
فقلت: جعلت فداك فيمكن أن يكون الاختفاء منك هو الخوف من عدم قبولك الحجة، فاستوجبت الوعيد الإلهي من عذاب النار، فلم يتيسر له الشفاعة يوم القيامة، فلا جرم قد وضعك في معرض الرجاء والمشيئة حتى يتمكن له شفاعتك. فأما اظهاره لي الحجة، فإنما هو من جهة أني ان قبلت نجوت، وان رددت هلكت، ولا يبالي أن نقع في نار الجحيم.
ثم قلت: جعلت فداك أنتم أفضل أو الأنبياء؟ فقال: الأنبياء أفضل، فقلت:
إن يعقوب النبي عليه السلام قال لابنه يوسف (لا تقصص رؤياك على اخوتك فيكيدوا لك كيدا) فإذا جاز أن يختفي امارات نبوة يوسف عليه السلام عن اخوته خوفا من الكيد والغدر، فيمكن أن يختفي عنك أبوك امامة أخيك، بناءا على مثل تلك المصلحة. فقبل مني العذر وأظهر الكرامة والولاية وامامة المولى جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام.