ومستحقا للعقاب. فشرب الماء النجس مثلا حرام ودفع الزكاة إلى الفقير واجب، فلو أن إنسانا حمل الماء النجس بإحدى يديه وشربه وأعطى باليد الأخرى في نفس الوقت زكاته للفقير فقد عصى وامتثل وأتى بالحرام والواجب في وقت واحد.
وأما الفعل الواحد فلا يمكن أن يتصف بالوجوب والحرمة معا، لان العلاقة بين الوجوب والحرمة هي علاقة تضاد ولا يمكن اجتماعهما في فعل واحد كما لا يمكن أن يجتمع السواد والبياض في جسم واحد، فدفع الزكاة إلى الفقير لا يمكن أن يكون وهو واجب حراما في نفس الوقت، وشرب النجس لا يمكن أن يكون وهو حرام واجبا في نفس الوقت.
وهكذا يتضح:
(أولا) أن الفعلين المتعددين كدفع الزكاة وشرب النجس يمكن أن يتصف أحدهما بالوجوب والآخر بالحرمة ولو أوجدهما المكلف في زمان واحد.
(وثانيا) أن الفعل الواحد لا يمكن أن يتصف بالوجوب والحرمة معا.
والنقطة الرئيسية في هذا البحث عند الأصوليين هي أن الفعل قد يكون واحدا بالذات والوجود ومتعددا بالوصف والعنوان، وعندئذ فهل يلحق بالفعل الواحد لأنه واحد وجودا وذاتا؟ أو يلحق بالفعلين لأنه متعدد بالوصف والعنوان؟ ومثاله: أن يتوضأ المكلف بماء مغصوب، فإن هذه العملية التي يؤديها إذا لوحظت من ناحية وجودها فهي شئ واحد وإذا لوحظت من ناحية أوصافها فهي توصف بوصفين، إذ يقال عن العملية: إنها وضوء، ويقال عنها في نفس الوقت: إنها غصب وتصرف في مال الغير بدون إذنه، وكل من الوصفين يسمى " عنوانا ". ولأجل ذلك تعتبر العملية في هذا المثال واحدة ذاتا ووجودا ومتعددة وصفا وعنوانا.