ولا ريب أن عد اختلاف اللغات من جملة الآيات ليس له معنى محصل، إلا أن يراد باختلافها جعل اللغات مختلفة، فيكون التقدير: ومن آياته أنه جعل لغاتكم مختلفة، ولا يعني بوضع اللغة إلا جعلها.
وإن شئت قلت: إن معنى الآية: أن من آياته ألسنتكم المختلفة، على معنى أنه أعطاكم الألسنة المختلفة، وذلك يقتضي كونه تعالى مخترع اللغات وواضعها، فالآية على ذلك آية واضحة على التوقيفية.
والمناقشة في ذلك بأن احتمال إرادة صور النطق عن الألسنة مما ينهض مانعا عن تعين إرادة اللغات، ومعه لا ينهض الآية دليلا على المدعى، مع حصول غرضه تعالى من عد اختلاف الألسنة من جملة الآيات، لوضوح أن اختلاف صور النطق وكيفياته باعتبار الأصوات واللهجات والنغمات على وجه لا يكاد معه يشتبه منطقان على أحد أشد وأبلغ.
يدفعها: قاعدة الأقربية، فإن اللغات أقرب مجازات " الألسنة " بحسب العرف، لمكان غلبة الاستعمال فيها، كما يرشد إليه ملاحظة موارد الاستعمالات.
وأضعف من تلك المناقشة ما قيل أيضا، بأن اختلاف اللغات لعل المراد به الإقدار على إحداثها مختلفة، فينهض الآية حينئذ دليلا على ضد المطلوب، أو تصير مجملة فتسقط عن درجة الاعتبار، فإن الظاهر بملاحظة السياق من حيث ورودها مورد الامتنان وإظهار العظمة وكمال القدرة وسبق خلق السماوات والأرض ولحوق اختلاف الألوان الذي ليس إلا من صنعه تعالى، كون اللغات المختلفة من عطاياه ومصنوعاته تعالى.
ومما احتج به على التوقيف، قوله تعالى: ﴿وعلم الإنسان ما لم يعلم﴾ (1) بتقريب: كون المراد أن كلما يعلمه الإنسان من الهدى والبيان، فهو بتعليم الله عز وجل، إلا ما علم إضافته إليه من زيادات العلوم الحاصلة بتلاحق الأفكار، أو أنه