وستعرف - كما هو المقرر عندهم - أن ما يعرض الشئ لأمر أعم ولو جزءا له لا يطلب في العلم الذي موضوعه ذلك الشئ، بل في العلم الذي أخذ موضوعه الأمر الأعم، فالأحكام المذكورة المأخوذة على الوجه الأعم لا تندرج عندهم في الأعراض الذاتية بالقياس إلى الموضوع، لكون المراد بها على ما ذكروه الآثار المطلوبة للموضوع المختصة به باعتبار أنه موضوع، وهذه الأحكام آثار مطلوبة لما هو أعم من الدليل، غير مختصة بالدليل.
وما يتوهم في دفع ذلك من أن بحثهم عن هذه الأمور في الفن يجوز أن يكون بحثا عن مطلقها ولا يلزم إشكال من ذلك، لأن مطلقها جزء من الكتاب والسنة، كما أن المقيد منها جزء منهما، أو لأن المطلق جزء من المقيد والمقيد جزء من الموضوع، فيكون المطلق أيضا جزء منه لأن جزء الجزء جزء، ومن المقرر أن موضوع مسائل الفن قد يكون بعض أجزاء الموضوع، واضح المنع.
أما أولا: فلمنع كون المطلق جزء من المقيد، بل هو نفسه وإنما غايره بالاعتبار، فإن الماهية إنما تصير مطلقة إذا أخذت لا بشرط القيد فتصير مقيدة إذا أخذت باعتبار تقيدها بالقيد. ومن البين أن أخذ القيد وعدمه معها أمران اعتباريان.
وأما ثانيا: فلمنع كون المقيد جزء من الكتاب والسنة، إذا اعتبر الأول الكلام المنزل على وجه الإعجاز، والثاني قول المعصوم وما يقوم مقامه، فإن المقيدات حينئذ جزئيات لهما كما جزم به بعض الفضلاء (1) وإنما يصح كونها أجزاء إذا جعل الأول عبارة عن مجموع الألفاظ المأخوذة فيما بين الدفتين، والثاني عبارة عن مجموع الأقوال الواردة في الأخبار.
وأما ثالثا: فلأن المطلق على فرض كونه جزءا من المقيد جزء عقلي، والذي قد يؤخذ في مسائل الفن من بعض أجزاء الموضوع لابد وأن يكون من الأجزاء الخارجية، كالبحث عن الفاتحة والركوع والسجود مثلا التي هي من أجزاء الصلاة