ثم الدليل الثابت كونه بنفسه ولذاته ملزوما للحكم الشرعي قد يطرأه مانع أو منع شرعي عن العمل به، كالكتاب الذي هو قول الله على ما ادعاه الأخبارية فيه من طرو الإجمال لظواهره كما يستفاد من بعضهم، أو قيام المنع من الشارع عن العمل به بمقتضى الأخبار الناهية عنه حسبما يظهر من البعض الآخر، فالبحث عن الحجية نفيا وإثباتا إن رجع إلى الملازمة الأولى فلا جرم يكون ذلك البحث من مباحث الكلام، ويكون موضوعه ذات الدليل بدون وصف الدليلية، ضرورة أن كون قول المعصوم ملزوما للحكم الشرعي من توابع العصمة التي إثباتها وظيفة المتكلم، وكذلك كون قول الله سبحانه ملزوما له فإنه من توابع وجوب حكمته وامتناع الكذب والقبيح عليه وغير ذلك، مما له مدخل في الحكم بمطابقة هذا القول للواقع، فلا يبحث عنهما إلا في الكلام ولا رجوع للأصولي إلى هذا البحث، كما أنه لا تعلق لفن " أصول الفقه " بهذا المبحث ونظائره، وليس مأخوذا في شئ من كتبه ولا في مسائله المدونة، بل المأخوذ فيها الذي يكون البحث عنه وظيفة الأصولي من مباحث الحجية إنما هو الملازمة بالمعنى الثاني أو الثالث، أو ما هو من لوازم الملازمة بالمعنى الأول أو ملزوماتها، فإن قول الأصولي: " خبر الواحد حجة " يريد به أن نقل السنة بغير تواتر ملزوم للسنة وطريق يحرز به السنة، لأن الخبر ليس نفس السنة بل كلام محكي السنة، وقوله: " الإجماع المنقول حجة " يريد به أن نقل الإجماع ملزوم له وطريق إلى إحرازه، وهذا كما ترى بحث عن حال الدليل بوصف الدليلية، لأن مرجعه إلى أن السنة والإجماع يثبتان بالنقل الغير العلمي، ولو قال الأصولي: " الإجماع حجة أو ليس بحجة " كان باحثا عن حال الدليل أيضا، لكون معنى القضية حينئذ: " ان الإجماع هل هو ملزوم لقول المعصوم أو رأيه بأحد طرقه المعهودة لدى أصحابنا أو ليس بملزوم له " وظاهر أن قول المعصوم ورأيه داخلان في السنة المعدودة من الأدلة، غاية الأمر كونه حينئذ سنة إجمالية.
فخلاصة الكلام: أن كل بحث عن الحجية إذا رجع إلى الملازمة بالمعنى