وعن بعض المحققين (1) أنه ذهب إلى أن موضوعه الأدلة الأربعة. وأن سائر المباحث راجعة إلى بيان أحوالها، نظرا إلى أن البحث عن الأدلة إما من حيث دلالتها في نفسها وهو الأمر الأول، أو من حيث دلالتها باعتبار التعارض وهو الأمر الثالث، أو من حيث الاستنباط وهو الأمر الثاني.
والأولى ترك تقييد الأدلة بالأربعة، لئلا يحتاج في إدراج بعض ما ليس منها كالاستصحاب فيها إلى تكلف القول بأنه إن اخذ من الأخبار فيدخل في السنة، وإلا فيدخل في العقل كما في كلام بعض الأعلام (2).
والحق: أن جهة البحث عن الدليل ليست منحصرة في الدلالة حتى أن البحث عن جواز تخصيص الكتاب، أو نسخه بخبر الواحد أو بالإجماع، وجواز نسخ الإجماع به أو بالكتاب، وجواز نقل الحديث بالمعنى ونحو ذلك بحث عن حال الدليل، فلا وجه لإرجاع البحث عن التعادل والتراجيح إلى دلالة الدليل، كيف والشبهة في مقام التعادل - كما أن عمدة الشبهة في مقام الترجيح - إنما تحصل من جهة السند من غير تعلق لها بالدلالة.
فالوجه حينئذ أن يقال: إن البحث في التعادل راجع إلى أن الخبرين المتعادلين هل يخير بينهما في العمل، أو يتوقف فيهما، أو يطرح كلاهما فيعمل على الأصل في الصورتين، وهذا كما ترى بحث عن حال الدليل من غير مدخل للدلالة فيه، كما أن البحث في الترجيح راجع إلى أن الخبرين الغير المتعادلين يجب تقديم ذي المزية المنصوصة منهما على غيره، وهل يجب تقديم ذي المزية الغير المنصوصة على الخالي منها أو لا؟ وهل يجب تقديم ما وافق منهما الأصل على ما خالفه أو لا؟ إلى غير ذلك من المباحث المعنونة في العنوان المذكور، وهذا أيضا بحث عن حال الدليل من غير جهة الدلالة.