وعن الثالث: بأن المراد من كون القياس المذكور دليلا لاعتبار علم المقلد لا لأصل العلم غير واضح، فإن علم المقلد إنما يراد به العلم المأخوذ في نتيجة هذا القياس، وهو من حيث إنه علم لا يفتقر إلى دليل الاعتبار، لكون اعتباره من القضايا التي قياساتها معها، فإنه عبارة عن انكشاف الواقع وليس وراء الواقع شئ آخر يكون معتبرا بنفسه ليفتقر اعتبار انكشافه إلى دليل، بل معنى اعتبار انكشافه اعتبار نفسه، وهو في نفسه ولذاته يقتضي الاعتبار.
نعم كون الاعتقاد المفروض في متعلقه - كالنسبة الموجودة في النتيجة مثلا - انكشافا للواقع يتوقف على صدقها، ويكفي فيه صدق المقدمتين الصغرى والكبرى والمفروض هنا صدقهما، أما صدق الصغرى - وهو قولنا: " هذا ما أفتى به المفتي " - فلأنه المفروض، وأما صدق الكبرى وهو قولنا: " كل ما أفتى به المفتي فهو حكم الله في حقي " فللأدلة القاضية بحجية الفتوى، ووجوب رجوع العامي إلى العالم المجتهد، وقضية صدق المقدمتين صدق النتيجة المتولدة منهما، ويلزم من ذلك كون المجموع منهما سببا للعلم المأخوذ في النتيجة، ولا يعني من كون الدليل الإجمالي دليلا لعلم المقلد إلا هذا، وهكذا يقال في دليل المجتهد.
وأيضا فإن مناط دليلية الدليل إنما هو الوسط المأخوذ فيه، وهو العنوان المتكرر في مقدمتيه، وقد تبين أن وسط دليل المقلد فتوى المجتهد، كما أن وسط دليل المجتهد ما ينحل إلى الكتاب والسنة والإجماع والعقل وغير ذلك.
ولا ريب أن الفتوى من حيث إنها الفتوى ليست دليلا على اعتبار علم المقلد بل هي سبب لأصل العلم، كما أن أوساط دليل المجتهد من حيث إنها الأمور المذكورة أسباب لأصل علمه، لا أنها أدلة على اعتبار هذا العلم.
نعم كل من الفتوى والأمور المذكورة ملزومة للاعتبار بالأدلة الدالة على حجيتها، أما الفتوى فبما دل على وجوب رجوع الجاهل في الأحكام إلى العالم، وأما غيرها فبما دل على حجية كل ولو من باب كونه من أسباب الظن.
ولك أن تقول حينئذ: إن " الفقه " يراد به هنا ما كان ملزوما للاعتبار، كما أن