وثالثها: ما هو أخص من الأولين وهو المصطلح عليه عند الفقهاء الذي يراد من الحد، سواء كان من مخترعاتهم أو واصلا إليهم من الأئمة (عليهم السلام) أو من الشارع - على تقدير ثبوت الحقيقة الشرعية فيه كما توهم - فإن أخذ " الفقه " على أحد المعنيين الأولين فلا إشكال في صدقه على علم المقلد لكنه ليس بمحل كلام.
وإن أخذ على المعنى الأخير، فالمصرح به في كلامهم عدم صدقه عليه وهو الحق الذي لا محيص عنه، كما يفصح عنه صحة سلب اسم " الفقيه " عنه واسم " الفقه " عن علمه بحسب الاصطلاح.
وظاهر أن هذا الاختلاف بينه وبين المجتهد الذي لا يصح السلب عنه وعن علمه، لابد وأن يكون من منشأ معنوي مأخوذ في مفهوم " الفقه " اصطلاحا غير موجود فيه، وهو لا يخلو عن أمرين:
أحدهما: أن يكون المعتبر في مسماه الاصطلاحي كونه ملكة أو إدراكا ناشئا عنها بالمعنى المتقدم ذكره، وهو الحالة النفسانية الناشئة عن الممارسة في الفن واستحضار مسائله - ولو إجمالا - ومبادئه على وجه لم يكن بينه وبين إدراكاته الفعلية حالة منتظرة، سوى الرجوع إلى المدارك واستعمال مبادئها الحاضرة لديه - ولو قوة - حين المراجعة.
ولا ريب أن الملكة بهذا المعنى غير حاصلة للمقلد، ولا أن إدراكه الفعلي ناش عنها.
وثانيهما: إن علم المقلد بوصف أنه مقلد إنما يستند إلى وسط واحد، وهو العنوان الكلي الجامع لجزئيات المسائل بأسرها، الذي ينشأ منه علمه في كافة المسائل، كعلم المجتهد واعتقاده بناء على أنه مأخوذ موضوعا لأحكام المقلد، بخلاف المجتهد الذي يكون علمه عن أوساط عديدة مختلفة الحقائق، على معنى كونه صالحا لأن يستند إليها ولو فرض في بعض الصور النادرة استناده إلى وسط واحد، كما لو انحصر دليله في جميع المسائل إلى الكتاب أو خبر الواحد، فإنه لا يمنع عن صلاحية استناده إلى أكثر من وسط واحد على نحو التوزيع، بأن يستند