ومن المعلوم وجود العلم بهذا المعنى لكافة الفقهاء في قاطبة الأحكام، والذي لا يوجد لهم غالبا إنما هو العلم الفعلي بجميع الأحكام.
والمناقشة في ذلك باستلزامه لعدم ارتباط " عن أدلتها " بالعلم، من حيث إن الملكة أمر يحصل بسبب الممارسة في الفن لا عن الأدلة التفصيلية.
يدفعها: أن المراد به حينئذ ليس هو الملكة المطلقة حسبما مر بيانه (1) بل الملكة المضافة إلى التصديق على نحو يدخل معه الإضافة في المستعمل فيه ويخرج عنه المضاف إليه، فالظرف يرتبط بالملكة باعتبار ما أضيفت إليه لا باعتبار نفسها.
" فالفقه " حينئذ هو ملكة التصديق بالأحكام، الذي يحصل ذلك التصديق عن الأدلة التفصيلية وهو ظاهر لا سترة عليه.
وقد يناقش فيه أيضا بما عن شيخنا البهائي (2) من أن التهيؤ لاستعلام جميع الأحكام كحصول العلم بالجميع فعلا متعذر أو متعسر أيضا، لحصول التوقف والتحير من فحول الفقهاء في كثير من المسائل ولو بعد استفراغ الوسع وبذل الجهد وحصول قوة قوية، بحيث لا يتوقف في شئ من الأحكام بعد بذل الوسع مما لا يتحقق في العادات.
ولا يخفى ما فيه من الوهن الواضح، فإن الملكة والتهيؤ للعلم بالجميع إنما يعتبر من باب المقتضى بالقياس إلى جهة الفعل. ومن البين أن المقتضى قد لا يستتبع الاقتضاء الفعلي لمصادفة فقد شرط أو وجود مانع، فوفور التوقف لفحول العلماء في كثير من المسائل ليس لأجل ضعف المقتضي وقصوره أو عدم وجوده، بل لأجل مصادفة وجود المانع له، وهو في موارد التوقف إما فقد الدليل أو إجماله أو معارضة دليل آخر له، ولا ريب أنه في القوة القريبة بحيث لولا وجود هذه الموانع لتيسر عن العلم الفعلي، فالملكة حينئذ حاصلة وإن لم يترتب عليها أثر الفعلية لوجود أحد الموانع المذكورة.