وأما ما كان من المسائل المدونة في علم أصول الفقه من قبيل المبادئ الأحكامية، فمنه ما هو خارج منه كبحث أمر الآمر مع العلم بانتفاء شرطه، وبحث الإجزاء، واجتماع الأمر والنهي ووجوب المقدمة ونحوه مما هو مأخوذ من العقل الصرف، ومنه ما يترجح دخوله فيه كمباحث الواجب التخييري، والواجب الكفائي، والواجب الموسع ونحوه مما يبحث فيه عن تعيين موضوع الحكم الشرعي، بناء على أنه عند الاشتباه من شأنه الأخذ من الشارع، ومنه ما يترجح خروجه كمبحث تبعية القضاء للأداء.
ونظير هذا الكلام يجري في مباحث الاجتهاد والتقليد، فإن الحكم في جملة منها شرعي جزما، وفي جملة أخرى عقلي، ويظهر الحال في مباحث التعادل والترجيح بملاحظة ما ذكر، فكل ما لم يخرج مما ذكر بقيد " الشرعية " لابد من إخراجه بقيد آخر.
[12] قوله: (وخرج بالفرعية الأصولية... الخ) المراد بالأصولية على ما في كلام غير واحد، ما يعم الاعتقادية والعملية.
وقد يعرف " الأصولية " بهذا المعنى بما لا يتعلق بالعمل بلا واسطة، قبالا لتعريف " الفرعية " بما يتعلق بالعمل بلا واسطة، والظاهر بناء على ما يساعد عليه الذوق السليم أن قيد " التعلق " لإخراج الأصولية العملية إذ لا تعلق لها بالعمل أصلا، والقيد الآخر لإخراج الأصولية الاعتقادية كوجوب الإيمان بالله وبرسوله وباليوم الآخر وغيره من المعارف، فإن له تعلق بالعمل كالصلاة وغيرها من الفروع تعلقا بعيدا بواسطة كون الإيمان شرطا لصحته، نظير ما يعرض الشئ بواسطة غريبة كحركة السفينة بالقياس إلى جالس السفينة، فلك أن تقول: بان قولنا: " يجب الإيمان بالله " - مثلا - يؤول بملاحظة أن الإيمان شرط في صحة الصلاة إلى أن يقال: " يجب الصلاة متلبسة بالإيمان " فقد تعلق الحكم الأصولي بالعمل بعدما تعلق بالاعتقاد، على معنى أنه عرض العمل بواسطة عروضه الاعتقاد بنفس ذلك العروض، على وجه كان العروض واحدا والمعروض متعددا بالاعتبار، على ما هو الضابط فيما يعرض الشئ بواسطة غريبة لضرب من المجاز.