لمنافع لا تنال إلا بفعل ما كلفه وحثه على ذلك.
ويدل على حسن ذلك أيضا أنه قد ثبت حسن تكليف من علم الله أنه يؤمن، وقد فعل الله تعالى بالكافر جميع ما فعله بالمؤمن من أقداره وخلق الشهوة فيه والنفار ونصب الأدلة وخلق العلم والتمكين وغير ذلك من الشرائط التي تقدم ذكرها، فينبغي أن يكون تكليفهما جميعا حسنا أو قبيحا. فإذا حكمنا بحسن تكليف من علم الله أنه يؤمن وجب مثل ذلك في تكليف من علم أنه يكفر، وأما من منع من حسن التكليف أصلا فلا تكلم في هذه المسألة بل تكلم بما تقدم من الكلام في حسن التكليف.
والفرق بين التكليفين لا يرجع إلى اختيار الله بل إلى اختيار المؤمن للإيمان فيحصل نفعه، واختيار الكافر الكفر فاستضر به، فأتى في ذلك من قبل نفسه.
(دليل آخر) ويدل أيضا على حسن تكليف من علم الله أنه يكفر ويموت على كفره أنه لو لم يحسن ذلك لوجب أن يكون للمكلف طريق إلى العلم بقبح ذلك، ولو علم قبحه لوجب أن يكون قاطعا على أنه لا يخرج من دار الدنيا إلا وهو يستحق الثواب، ولا يتم ذلك إلا بأمرين: أحدهما أن يعلم أنه متى رام القبيح منع منه وذلك إلجاؤنا في التكليف، أو يعلم أنه سيتوب في المستقبل وذلك ويؤدي إلى الإغراء وكلاهما فاسدان، فإذا يجب أن يكون ممن يجوز الخروج من الدنيا وهو مستحق للعقاب وهو ما أردناه. ومتى ادعي في ذلك وجه قبح فالكلام عليه قد استوفيناه في شرح الجمل يرجع إليه إنشاء الله.
ومما يدل على حسن تكليف من علم الله أنه يكفر أنه ثبت أنه تعالى كلف من هذه صورته، لأنا نعلم أن كثيرا من العقلاء المكلفين يموتون على كفرهم، ولو لم يكن إلا ما علمناه من حال فرعون وهامان وأبي جهل وأبي لهب وغيرهم لكفى، ولو كان ذلك قبيحا لما فعله الله تعالى، لأنا قد دللنا على أنه تعالى لا يفعل القبيح على حال.