غير ممكن لأن التكليف هو الإرادة على بعض الوجوه وما علم أنه لا يكون لا يصح أن يراد. فقوله باطل، لأن الإرادة تتعلق بما يصح حدوثه في نفسه سواء علم يحدث أو لا يحدث. ألا ترى أن الواحد منا يصح أن يريد من جميع الكفار الإيمان وإن علم أن جميعهم لا يؤمن.
وأيضا فإن النبي عليه السلام كان يريد من أبي لهب الإيمان وإن كان الله تعالى أعلمه أنه لا يؤمن.
وأيضا فقد يريد الواحد منا من الغير تناول طعامه وإن غلب في ظنه أنه لا يتناوله.
وما يستحيل مع العلم يستحيل مع الظن على حد واحد، والمعلوم أن ذلك لا يستحيل مع الظن، فيجب أن لا يستحيل مع العلم.
فأما من قال إن ذلك ممكن غير إنه لا يحسن، فالذي يدل على بطلان قوله ما قدمناه من أن التكليف تعريض لنفع لا ينال إلا به، والتعريض للشئ في حكم إيصاله وأن كل من حسن منه التوصل إلى أمر من الأمور حسن من غيره تعريضه له إذا انتفت عنه وجوه القبح، وعكسه كل شئ يقبح لنا التعرض له يقبح من غيرنا تعريضنا له أيضا، ونحن نعلم أنه يحسن من الواحد منا التعرض للثواب والتوصل إليه بفعل ما يستحق به ذلك، فيجب أن يحسن منه تعالى تعريضه له. فإذا حسن منا أن يتعرض لمنافع منقطعة من أرباح التجارات بتكليف المشاق والأسفار وحسن من غيرنا أن يعرضنا لها فيجب أن يحسن التعرض للمنافع الدائمة والتعريض لها.
والكافر إنما استضر في ذلك بفعل نفسه وسوء اختياره، لأنه أقدم على ما يستحق به العقاب وقد نهاه الله وحذره وتوعده عليه ورغبه في خلافه، فهو الذي ضر نفسه دون الذي كلفه، بل مكلفه نفعه بغاية النفع، من حيث عرضه