المأمور به والرتبة معتبرة في التكليف كاعتبارها في الأمر. يدل على ذلك أن من أراد من الغير ما يلحقه فيه مشقة سمى مكلفا له، ومتى أراد من الغير ما لا يلحقه فيه مشقة لم يسم " بذلك، ولذلك لم يكن الواحد منا إذا أراد من الله تعالى الفعل مكلفا له وإذا أراد الله تعالى منا الفعل الذي فيه مشقة كان مكلفا سواء كان ذلك الفعل واجبا أو ندبا.
وإعلام المكلف وجوب الفعل أو حسنه أو دلالته عليه شرط في حسن التكليف من الله، لأنه من جملة إزاحة العلة فيما كلفه. وليس نفس الإعلام هو التكليف، ولهذا كان مكلفا له وإن لم يكن معلما له 1).
وإنما لم يسم الواحد منا إذا أراد من الغير الصوم أو الصلاة مكلفا له، لأنه سبق في ذلك تكليف الله وإرادته، فلذلك لم يسموه بذلك.
فإذا ثبت حقيقة التكليف فيحتاج في العلم بحسنه إلى معرفة أشياء: أولها صفات التكليف، وثانيها صفات المكلف، وثالثها صفات الفعل الذي يتناوله التكليف، ورابعها ما الغرض بالتكليف.
ونحن نبين جميع ذلك على أخصر الوجوه، وقبل ذلك نبين أولا ما وجه الحسن في ابتداء الخلق، وبيان ذلك أن نقول:
لا يخلو أن يكون في ابتداء الخلق غرض أو لا غرض فيه، فإن كان لا غرض فيه فهو عبث، وذلك قبيح لا يجوز عليه تعالى. وإن كان فيه غرض لا يخلو أن يكون فيه غرض قبيح أو حسن، فالقبيح هو أن يقصد بخلق الخلق الإضرار بهم، وذلك قبيح لا يجوز على الحكيم، والغرض الحسن لا يكون إلا بحصول النفع فيه. وذلك النفع لا يخلو أن يكون راجعا إليه تعالى أو إلى غيره، فما يرجع إليه تعالى مستحيل لاستحالة النفع عليه، وما يرجع إلى الغير هو وجه