ولما كانت علومه لا يصح حصولها إلا مع كمال عقله وجب أن يخلق فيه العقل، والعقل هو مجموع علوم إذا اجتمعت كان الحي عاقلا، وإذا حصل بعضها أو لم يحصل شي أصلا لم يكن عاقلا.
والعلوم التي تسمى عقلا تنقسم ثلاثة أقسام: أولها العلم بأصول الأدلة، وثانيها ما لا يتم العلم بهذه الأصول إلا معه، وثالثها ما لا يتم الغرض المطلوب إلا معه.
فالأول كالعلم بأحوال الأجسام التي تتغير من حركة وسكون، والعلم باستحالة خلق الذات من النفي والاثبات المتقابلين، والعلم بأحوال الفاعلين وغير ذلك. وليس يصح العلم إلا ممن يجب أن يكون عالما بالمدركات إذا أدركها وارتفع اللبس عنها وممن إذا مارس الصنائع بعلمها، والعلم بالعادات من أصول الأدلة الشرعية، فلا بد منه، فهو نظير القسم الثاني. والقسم الثالث العلم بجهات المدح والذم والخوف وطرق المضار حتى يصح خوفه من إهمال، النظر، فيجب عليه النظر والتوصل به إلى العلم.
والذي يدل على أن ذلك هو العقل لا غير أنه متى تكاملت هذه العلوم كان عاقلا، ولا يكون عاقلا إلا وهذه العلوم حاصلة، ولو كان للعقل معنى آخر لجاز حصول هذه العلوم، ولا يحصل ذلك المعنى فلا يكون عاقلا وإن لم يكن له هذه العلوم، والمعلوم خلاف ذلك.
وسميت عقلا لأن لمكانها يمتنع من كثير من المقبحات، فشبهت بعقال الناقة التي تمنعها من السير. ولأن العلوم المكتسبة مرتبطة بها ولا يصح حصولها من دونه، فسميت به عقلا تشبيها أيضا بعقال الناقة، ولذلك لا يجوز وصف الله تعالى بأنه عاقل وإن كان عالما بجميع المعلومات.
ويجب أن يكون المكلف متمكنا من الآلات التي يحتاج إليها في الأفعال