والعلم بكون المعصية كفرا طريقه السمع لا مجال للعقل فيه، لأن مقادير العقاب لا تعلم عقلا، وقد أجمعت الأمة على أن الاخلال بمعرفة الله تعالى و توحيده وعدله وجحد نبوة رسله كفر، لا يخالف فيه إلا أصحاب المعارف الذين بينا فساد قولهم. ولا فرق بين أن يكون شاكا في هذه الأشياء أو يكون معتقدا لما يقدح في حصولها، لأن الاخلال بالواجب يعم الكل.
فعلى هذا المجبرة والمشبهة كفار، وكذلك من قال بالصفات القديمة، لأن اعتقادهم الفاسد في هذه الأشياء ينافي الاعتقاد الصحيح من المعرفة بالله تعالى وعدله وحكمته.
وأما الفسق فهو في اللغة عبارة عن خروج الشئ إلى غيره، ولذلك يقولون " فسقت الرطبة " إذا خرجت عن قشرها، وسميت الفارة فويسقة من ذلك لخروجها من نقبها، إلا أن بالعرف صار متخصصا بالخروج من حسن إلى قبح. وأما في عرف الشرع فهو عندنا عبارة عن كل معصية سواء كانت صغيرة أو كبيرة، ولأن معاصي الله تعالى كلها كبائر وإنما نسميها صغائر بالإضافة إلى ما هو أكبر منها، وهي كبيرة بالإضافة إلى ما هو أصغر منها.
وشبهة المعتزلة في أن المؤمن لا يسمى به المصدق وإن قالوا كان ينبغي أن لا يسمى بعد إيمانه بزمان أنه مؤمن كما لا يسمى بأنه ضارب لما تقدم من الضرب لأن الأسماء المشتقة إنما تطلق في حال وقوع على ما اشتقت منه. باطلة، لأنا نقول أن الاعتقاد بالقلب الذي هو الإيمان يتجدد حالا فحالا، لئلا يبقى فيما خرجنا عن طريقة الاشتقاق.
وقولهم: إنه لو كان كذلك لوجب أن لا يسمى من هو في مهلة النظر بأنه مؤمن، لأنه ما صدق بالله ولا بصفاته. فاسد، لأن من هو في مهلة النظر قد صدق بجميع ما تجب عليه في تلك الحال فلذلك يسمى مؤمنا.