حملها على ما يطابق ذلك، وكيف ولا ظاهر لشئ منها بل هي شاهدة لمذهبنا، لأن الاحباط والبطلان في جميعها يتعلق بالأعمال دون المستحق عليها، والمخالف يقول التحابط بين المستحق عليها.
ونحن يمكننا حملها على ظاهرها، لأن معنى قوله تعالى " إن الحسنات يذهبن السيئات " إن من استكثر من فعل الحسنات دعاه ذلك إلى الامتناع من القبائح وكانت لطفا له، وهذا يوافق الظاهر لا يحتاج معه إلى تقدير الحرى فيه.
وأما باقي الآيات فالوجه فيها أن نقول: إبطال العمل وإحباطه عبارة عن إيقاعه على خلاف الوجه الذي يستحق به الثواب، ألا ترى أن أحدنا لو ضمن لغيره عوضا على نقل شئ من موضع إلى موضع بعينه فنقله إلى موضع غيره فإنه لا يستحق الأجرة وجاز أن يقال: أحبطت عملك وأبطلته لأنك أوقعته على خلاف الوجه المأمور به به ولم توقعه على الوجه الذي تستحق عليه الأجرة.
وليس أحد يقول أنه يستحق أجرة فأبطلها، بل المراد ما ذكرناه.
ولما كانت الصدقة متى قصد بها وجه الله تعالى استحق بها الثواب، ومتى فعلها لوجه المن والأذى لم يستحق جاز أن يقال إنه أبطلها، وكذلك من رفع صوته إجابة للنبي عليه السلام ومسارعة إلى إجابته استحق به الثواب ومتى رفعه استخفافا به وعصيانا منه جاز أن يقال إنك أبطلته، وكذلك من عبد الله مخلصا استحق الثواب فمتى أضاف إلى ذلك عبادة غيره جاز أن يقال أبطلت عملك.
فبان بجميع ذلك أنه لا متعلق للقوم في الآيات في صحة التحابط والعقاب متى استحق، فإنه يحسن التفضل بإسقاط من غير توبة. يدل على ذلك أنه قد ثبت بأوائل العقول حسن الاحسان وإيصال المنافع إلى الغير، ومن أحسن الاحسان إسقاط المضار المستحقة، بل ربما كان إسقاط المضمرة أعظم من إيصال المنفعة، فدافع حسن أحدهما كدافع الآخر.