أن القديم يستحق المدح بفعل الواجب والتفضل وإن لم يستحق الثواب، ولو فعل أحدنا الواجب على وجه لا يشق عليه لاستحق المدح وإن لم يستحق الثواب، أن الثواب يستحق بالمشقة والمدح يستحق بوجه الوجوب، فكيف يستحقان على وجه واحد.
ومتى قيل المشقة شرط والوجه هو كونه واجبا أو ندبا، قيل بعكس ذلك ولقائل أن يقول: الوجه هو المشقة وكونه واجبا شرط. ثم يقال: ولم إذا تساويا في الشرط والوجه وجب أن يتساويا في الدوام، لأنه إذا جاز أن يتساويا في هذين مع اختلافهما في الجنس جاز أن يختلفا أيضا في الدوام والانقطاع.
وقولهم " ما أزال أحدهما أزال الآخر " لا نسلمه، لأن عندنا لا يزيل ما يستحق منها شئ على وجه على ما نبينه في بطلان التحابط. وهذا أقوى دليل استدلوا به، وما عداه من أدلتهم ذكرناها بحيث أومأنا إليه لا نطول بذكره ههنا.
وأما الذم فإنه يستحق بفعل القبيح والاخلال بالواجب، لأن ما عدا ذلك من أفعال المكلف من الواجب والندب والمباح لا يستحق به ذم على حال.
ولا يستحق فاعل القبيح والمخل بالواجب الذم إلا بعد أن يكون متمكنا من التحرز منه، بأن يكون عالما بقبح القبيح ووجوب الواجب، أو متمكنا من العلم بقبحه.
وفي الناس من قال لا يستحق الذم إلا على فعل، وادعوا أن من أخل بواجب لا بد أن يكون فاعلا لترك قبيح يستحق به الذم، لأنهم حدوا الواجب بأنه ما له ترك قبيح. وهذا غير صحيح، لأن حد الواجب هو ما يستحق بالاخلال به الذم على بعض الوجوه، لأن قبح الترك تابع لوجوب الوجوب فوجوب الواجب هو الأصل.
وما ذكروه يؤدي إلى أن يتعلق وجوبه بقبح تركه وقبح تركه يتعلق بوجوبه