نتكلم عليه عند الكلام في الاحباط إنشاء الله.
والمعاصي على ضربين كفر وغير كفر، فالكفر يستحق به العقاب الدائم إجماعا لا خلاف بين الأمة فيه، وما ليس بكفر ليس على دوامه دليل بل دل الدليل على انقطاعه على ما سنبينه إنشاء الله.
ولا تحابط عندنا بين الطاعة والمعصية ولا بين المستحق عليها من ثواب وعقاب، ومتى ثبت استحقاق الثواب فإنه لا يزيله شئ من الأشياء، والعقاب إذا ثبت استحقاقه فلا يزيله شئ من الأشياء عندنا إلا التفضل.
ومن خالفنا يقول الثواب يزول بالندم على الطاعة والعقاب كثيرة يوفي على الثواب. والعقاب يزول بالتفضل وبالندم الذي هو التوبة، وتكثر الطاعة إذا زاد ثوابها على العقاب الحاصل.
والذي يدل على بطلان التحابط أنه لا تنافي بين الطاعة والمعصية ولا بين المستحق عليهما من الثواب والعقاب ولا ما يجري مجراه التنافي، والشئ ينافي غيره لتضاد بينهما أو ما يجري مجرى التضاد.
وإنما قلنا لا تضاد بين الطاعة والمعصية لأنهما قد ثبت أنهما من جنس واحد، بل نفس ما يقع طاعة كان يجوز أن يقع معصية. ألا ترى أن قعود الإنسان في دار غيره غصبا معصية، وهو من جنس قعوده فيها بإذنه، وهو جنس مباح، وهما من جنس واحد. وكذلك لا تضاد بين المستحق عليهما لمثل ذلك بعينه، لأن الثواب من جنس العقاب، بل نفس ما يقع ثوابا كان يجوز أن يقع عقابا، لأن الثواب هو النفع الواقع على بعض الوجوه، ولا شئ يقع نفعا إلا وكان يجوز أن يقع ضررا وعقابا، بأن يصادف نفارا.
ولو كان بينهما تضاد على تسليمه لما تنافى الثواب والعقاب وهما معدومان، لأن الضد الحقيقي لا ينافي ضده في حال عدمه، لأن السواد والبياض قد يجتمعان في العدم.