على أنه يحسن ممن أحسن إليه بعض الناس وأساء إليه بالإساءة، لا يظهر مزية إحداهما على الأخرى أن يمدحه على إحداهما ويذمه على الأخرى، بأن يقول أحسنت إلي بكذا وكذا ويمدحه ويشكره ثم يقول لكنك أسأت إلي بكذا وكذا ويعنفه ويبكته. وذلك يدل على اجتماع الاستحقاقين. وإذا اجتمعا في بعض المواضع علم فساد القول بالاحباط وحمل عليه المواضع المشتبهة.
على أنا نعلم أنه يحسن فعل الثواب عقيب الطاعة، ولا يدل ذلك على سقوطه.
ومتى قالوا أن ذلك لا يحسن لما قلنا، وكذلك كثير استحقاق المدح مانع من نفي استيفاء القليل من الذم وإن لم يسقط.
وكذلك نعلم أن من كان له على غيره مائة ألف دينار وله عليه ربع شعير يحسن منه أن يطالبه بالربع من الشعير مع كون المال العظيم عليه ولا أحد يقول إن ذلك يسقط. ألا ترى أنه لو وفاه ماله حسن منه أن يطالب بالربع من الشعير فعلم أنه ثابت.
وكذلك لو كافأه هذا المحسن على إحسانه وقام بشكره حق القيام حسن أن يذمه على كسر قلمه، فدل على أنه لم يسقط. وتعلقهم بالظواهر نحو قوله تعالى " إن الحسنات يذهبن السيئات " 1) وقوله " لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى " 2) وقوله " لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي " 3) إلى قوله " أن تحبط أعمالكم " 4) وقوله " لئن أشركت ليحبطن عملك " 5) لا يصح لأن الظواهر يجب أن تبنى على أدلة العقول، وقد بينا بطلان التحابط. فلو كان لهذه الآيات ظواهر لوجب