يعتد بسرورهم في ذلك. وكل شئ يقولون في ذلك فهو قولنا فيما قالوه بعينه.
وقولهم " ما استحال فعله استحال استحقاقه " إن أرادوا استحال استحقاقه على الوجه الذي يستحيل فعله كان صحيحا، وإنما يستحيل فعل الثواب والعقاب على وجه الجمع، ونحن لا نقول ذلك ولا يستحقان كذلك. وإن أرادوا أن ما يصح فعله على البدل يستحيل استحقاقه على الجمع. فباطل، لأنه لا يصح أن يكون القادر قادرا على الضدين وإن كان يستحيل فعلهما على الجمع وإنما يصح فعل كل واحد منهما بدلا من صاحبه.
وليس لهم أن يقولوا: كيف يكون معاقبا في حال هو فيها يستحق الثواب.
لأن ذلك ليس بأبعد من أن يكون مستحقا للثواب في حال هو فيها مكلف وميت وتراب وفي القبر وإلى أن يحييه الله، لأن الثواب يستحق عقيب الطاعة وإن تأخر إلى زمان الفعل بأوقات كثيرة.
وقولهم " معلوم ضرورة قبح الذم على الإساءة الصغيرة نحو كسر قلم لمن له إحسان عظيم وإنعام جليل نحو تخليص النفس من الهلاك والإغناء بعد الفقر والإعزاز بعد الذل، ولم يقبح ذلك إلا لبطلانها في جنب ذلك الاحسان، بدلالة أنها لو انفردت عنه لحسن ذمه على كسر القلم، وإذا ثبت ذلك في المدح والذم ثبت مثله في الثواب والعقاب ". غير مسلم، لأن عندنا يجوز أن يذم بالإساءة الصغيرة وإن استحق المدح بالاحسان الكثير. ألا ترى أنه لو ندم هذا المسئ بالإساءة الصغيرة على إحسانه الكثير لحسن ذمه على الإساءة الصغيرة فلو كان الحبط لما حسن ذلك، لأن ما انحبط لا يرجع عند المخالف.
وإذا قالوا " معلوم ضرورة أن حال هذا المسئ منفردا من الاحسان بخلاف حاله إذا قارنه الاحسان العظيم ". قلنا: ذلك صحيح، لأنه إذا انفرد بالإساءة استحق الذم لا غير وإذا جمع بينهما استحق المدح والذم، فافترق الحالتان.