لأنا نجد من نفوسنا صحة اجتماع اعتقاد المدح على فعل مع استحقاقه الذم على فعل آخر ولا تعذر في ذلك. اللهم إلا أن يريدوا أنه لا يصح اجتماع الاستحقاقين على فعل واحد بوجه واحد، فيكون ذلك صحيحا لكنا لا نقول ذلك. وكل ما يسأل على هذا ويفرع عليه فقد استوفيناه في شرح الجمل، وهو مستقصى أيضا في مسألة الوعيد للمرتضى رحمة الله عليه.
واعتمادهم أيضا على أن من حق الثواب والعقاب أن يكونا صافيين من كل شوب فلو استحقا في حالة واحدة وفعلا في حالة واحدة خرجا عن الصفة اللازمة لهما وإن فعلا على البدل فمثل ذلك، لأن أيهما قدم على الآخر فالمفعول به منتظر لوقوع الآخر، وذلك يوجب نفي الخلوص ويقتضي الشوب، لأنه إن كان في عقاب وعلم انقطاعه استراح إلى ذلك، وإن كان في ثواب وتصور انقطاعه تنغص عليه، وإذا امتنع فعلهما امتنع استحقاقهما أيضا. باطل، لأن أول ما نقوله إنا لا نعلم بالعقل أن من شرط الثواب أو العقاب أن يكون خالصا صافيا، وإنما علمنا ذلك بالسمع، وقد علمنا بالاجماع أنه لا يمتزج الثواب والعقاب، وعلمنا بالاجماع أن الثواب لا يتعقبه عقاب. فأما العقاب فلا دلالة على أنه لا يتلوه ثواب إلا في الكفار، فإنهم أجمعوا على أنه لا يتلو عقابهم ثواب، وأما فساق أهل الصلاة فليس على ذلك دلالة.
ثم ليس الأمر على ما قالوه من أنه إذا تلا العقاب الثواب أن تلحقه راحة لأنه يجوز أن يلهيه الله عن ذلك ويشغله عن الفكر فيه، لأن ما هو فيه من أليم العقاب وعظيم موقعه يشغل بعضه عن الفكر في العاقبة، ولو علم انقطاعه لما اعتد بذلك مع ما فيه من أنواع العقاب، وجرى ذلك مجرى ما يقوله من أن أهل النار يعرفون الله ضرورة ويسقط عنهم مشاق النظر لكن لا يعتد به، وكذلك يعلمون أولادهم وأعزاهم في الثواب وحصول أعدائهم في النار ومع ذلك لا