المكاسب والتجارات لا يحسن إيجابها لمجرد النفع ويحسن ذلك إذا كان في تركها ضرر.
وهذا ليس بجيد، لأن لقائل أن يقول: إنه يكفي في حسن الايجاب وجه وجوب الأفعال، لأنه تعالى بالايجاب فعلمنا وجوب الأفعال علينا وإنما يجب علينا لوجه وجوبها، فالإيجاب إنما حسن لهذه الوجوه بأعيانها، فأما جعل الفعل شاقا فبإزائه الثواب والايجاب إنما حسن لوجه الوجوب.
والنوافل إنما لم يحسن إيجابها لأنه ليس لها وجه وجوب كما أن للواجبات وجه وجوب معقول يجب لأجلها، نحو كونها ردا للوديعة وقضاء الدين وما أشبه ذلك. والتجارات مثل النوافل لا وجه لوجوبها فلذلك لم يحسن إيجابها.
والواحد منا وإن أوجب على غيره ما ليس له وجه وجوب نحو أن يهدده بالقتل إن لم يدفع ماله إليه، فيجب عليه الدفع وإن لم يكن له وجه وجوب إنما كان كذلك لأنه لم تثبت حكمته، والحكيم تعالى لا يحسن منه إيجاب ما ليس له وجه وجوب، فبان الفرق بينهما.
فإن قيل: لو لم يستحق العقاب لكان مغرى بالقبيح مع حصول شهوته، وإنما ينزجر لمكان العقاب، والذم لا ينزجر به العقلاء حتى يتركوا له المشتهيات العاجلة.
قلنا: يخرج من الاغراء بتجويزه استحقاق العقاب على فعل القبيح والاخلال بالواجب دون القطع عليه، كما يخرج بالتجويز عن الاغراء في زمان مهلة النظر، لأنه لا طريق له هناك إلى القطع على استحقاق العقاب.
وقيل أيضا إنه يخرج عن الاغراء بفوت المنافع إذا فعل القبيح، لأنه يعلم أنه يفوته الثواب بفعل القبيح والاخلال بالواجب، وفوت المنافع يجري مجرى حصول المضار في باب الزجر.