الثواب والعوض واللطف لا يستحق به الذم، يتعالى عن ذلك. ولا يجوز الترك عليه على ما مضى، فيجب أن يكون الاخلال بالواجب جهة يستحق بها الذم كفعل القبيح، لأن جهات استحقاق القبح لا تختلف باختلاف الفاعلين على ما يقوله المجبرة من نسبتهم القبائح إلى الله تعالى مع نفيهم عنه استحقاق الذم، ومتى لم يراعى هذا الأصل أدى إلى الفساد.
وأما العقاب فيستحق بما يستحق به الذم من فعل القبيح والاخلال بالواجب بشرط أن يكون فاعل القبيح أو المخل بالواجب اختاره على ما فيه منفعته ومصلحته من فعل الواجب أو الاخلال بالقبيح. واعتبرنا هذا الشرط لئلا يلزم أن يستحق القديم تعالى العقاب إن فرضناه فاعلا للقبيح أو مخلا بالواجب، يتعالى الله عن ذلك.
ومن شرط من يستحق منه العقاب أن يكون عالما بقبح القبيح ووجوب الواجب أو متمكنا من العلم بذلك، لأن مع كل واحد من الأمرين يمكنه التحرز منه، والعقل لا يدل عندنا على استحقاق العقاب وإنما نعلم ذلك سمعا، وأجمع المسلمون على أن القبيح يستحق به العقاب وإن اختلفوا في دوامه وانقطاعه.
وقال أكثر أهل العدل أن العقل دال على استحقاق فاعل القبيح والاخلال بالواجب العقاب، قالوا: لأن الله تعالى أوجب علينا الواجبات على وجه يشق علينا مع إمكان تعديه من المشقة وغرضنا للمشقة للثواب العظيم، ومجرد النفع لا يحسن له إيجاب الفعل وإنما يؤثر في إيجابه حصول الضرر في الاخلال به فيجب من ذلك أن يكون فاعلا لقبيح، والاخلال بالواجب مستحقا لضرر عليه وهو العقاب.
وإنما قلنا أن مجرد النفع لا يكفي في إيجاب الفعل، لأن النوافل لا يحسن إيجابها وإن كان في فعلها ثواب لأنه لم يكن في الاخلال بها ضرر، وكذلك