والصحيح الأول، وإنما لا يسمى رزق البهيمة ملكا لأن من شرط تسميته بالملك أن يكون عاقلا أو في حكم العاقل من الأطفال والمجانين.
وقالوا أيضا: من أباح طعامه لغيره يوصف بأنه رزق له ولا يقال أنه ملكه قبل تناوله.
قلنا: لا فرق بينهما، لأن قبل تناوله فهو رزقه وملكه وليس له منعه منه كالكلأ والماء، ويجوز تسمية الولد بأنه رزق، وكذلك العقل لا يمتنع أيضا تسميته بأنه ملك والمعنى أن له الانتفاع بولده وبعقله، فلا فرق بينهما.
وحقيقة الملك أن من يقدر على التصرف في شئ ليس للآخر منعه منه فهو مالك له، ويسمى الله تعالى بأنه مالك يوم الدين لهذا المعنى، ولذلك يوصف الإنسان بأنه يملك داره وعبده لأنه يقدر على التصرف فيهما وليس لأحد منعه فيه، ولذلك لا تسمى دار غيره بأنها ملكه وإن كان قادرا على التصرف فيها لأن للغير منعه منها.
فإذا ثبت ذلك فالحرام ليس برزق لنا، لأن الله تعالى منع عنه بالحظر ويجب علينا المنع منه مع الامكان، ولو كان الحرام رزقا للزم أن يكون أموال الناس رزقا للغاصبين والظالمين ويلزم فيمن وطئ زوجة غيره أن يكون ذلك رزقا له كما أنه إذا وطئ زوجة نفسه يكون كذلك.
وقد أمر الله تعالى بالاتفاق من الرزق في قوله " وأنفقوا مما رزقناكم " 1) ومدح عليه بقوله " ومما رزقناهم ينفقون " 2) ولا خلاف في أنه ليس له أن ينفق من الحرام، وإذا أنفق لا يستحق المدح بل يستحق الذم. ويصح أن يأكل الإنسان رزق غيره كما يصح أن يأكل مال غيره.