علم استحقاق العقاب على المعاصي زائدا على استحقاق الذم كان ذلك صارفا له عن فعل القبيح، وكذلك من علم استحقاق الثواب على الطاعة زائدا على المدح كان ذلك داعيا إلى فعله، وإذا كان العلم باستحقاق الثواب والعقاب لا يتم إلا بعد العلم بالله تعالى على صفاته من كونه قادرا عالما وجبت معرفته بهذه الصفة.
فيعلم كونه قادرا ليعلم أنه قادر على عقابه وثوابه، ويعلم أنه عالم ليعلم بمبلغ المستحق، ويعلمه حكيما ليعلم أنه لا يخل بواجب من الثواب ولا يفعل القبيح من عقاب غير مستحق.
فاللطف في الحقيقة هو العلم باستحقاق الثواب والعقاب. إلا أنه لا يتم ذلك إلا بعد معرفته تعالى على صفاته وجبت معرفته على صفاته، ولما كانت معرفته لا يوصل إليها إلا بالنظر وجب النظر.
والمعرفة الضرورية لا تقوم في ذلك مقام الكسيبة، لأنها لو قامت مقامها لفعلها في الكافر، ونحن نعلم أن كثيرا من الكفار يموت على كفره، فعلم أن الضرورية ليست لطفا.
ومن ادعى أن الكفار عارفون كابر، لأن المعلوم ضرورة موت كثير من الخلق كأبي جهل وأبي لهب على كفرهم. وأيضا كان يجب أن يفعل فينا ونحن نعلم من أنفسنا أنا لسنا مضطرين إلى معرفة الله، فبطل أن تكون الضرورية لطفا.
وقيل إنها لو كانت لطفا لكانت الكسبية آكد، لأن من تكلف مشقة ليبلغ بها غرضا لا يكون تمسكه بذلك الشئ إذا وصل إليه كتمسكه إذا حصل له الشئ من غير مشقة، وشبه ذلك بمن تكلف بناء دار وأنفق عليها ماله وأفنى زمانه لا يكون في تمسكه بها كمن وهبت له تلك الدار، وكذلك من سافر في طلب العلم وتحمل المشاق لا يكون حكمه في التعليم حكم من يقصده العلماء ويقعدون قدامه، والعلم بذلك ضروري. وإذا كانت المكتسبة آكد وجبت دون الضرورية.