وأما الذي يدل على أن الألم يحسن الاستحقاق فهو ما نعلمه ضرورة من حسن ذم المسئ على إساءته وإن غمه ذلك وآلمه واستضر به، والعلم بحسن ذلك مع تعريه من نفع أو دفع ضرر يوجب أنه حسن للاستحقاق لا غير.
وقد قيل في ذلك أيضا أنه يحسن المطالبة بتقضي الدين وإن أضر ذلك بمن عليه الدين وغمه، وإنما حسن ذلك للاستحقاق.
ولقائل أن يجعل وجه ذلك ما يقدمه من الانتفاع بالدين، فجرى ذلك مجرى تقدم الأجرة على الأعمال الشاقة.
وأيضا فلو كان حسن الاستحقاق لما حسن أن يبتدئ الإنسان بإيصاله إلى نفسه، كما لا يحسن أن يعاقب نفسه.
وأيضا فإنه خال من استحقاق وإهانة، وذلك واجب في العقاب.
وإنما قلنا أنه متى وقع على وجه المدافعة كان حسنا، لأنه معلوم أن من دافع غيره عن نفسه فوقع به من جهته ضرر لم يقصده بل قصد المدافعة فقط لا يستحق به عوضها على المؤلم ولا يكون بذلك ظالما.
ولا يمكن أن يقال: إن ذلك مستحق، لأن من قصد إيلام غيره ولم يؤلمه لا يستحق العقاب عليه.
وأيضا فلو كان مستحقا لقارنه استحقاق وإهانة وجاز أن يقصده، وكل ذلك يدل على أنه لم يكن مستحقا.
ولا يمكن أن يقال: وجه حسنه ما فيه من العوض، لأنه تعالى لما حسن ذلك في عقولنا ضمن العوض كما ضمن لما أباح لنا ذبح البهائم بالشرع، لأنه لو كان الأمر على ما قالوه لوجب أن يكون من لا يعرف أن الله ضمن العوض لا يعرف حسن المدافعة، كما أن من لا يعرف الشرع لم يعرف حسن ذبح البهائم.
والمعلوم خلافة.