طلقتموهن حال ما فرضتم لهن فريضة.
أما قوله تعالى: * (إلا أن يعفون) * ففيه مسألتان:
المسألة الأولى: إنما لم تسقط النون من * (يعفون) * وإن دخلت عليه * (أن) * الناصبة للأفعال لأن * (يعفون) * فعل النساء، فاستوى فيه الرفع والنصب والجزم، والنون في * (يعفون) * إذا كان الفعل مسندا إلى النساء ضمير جمع المؤنث، وإذا كان الفعل مسندا إلى الرجال فالنون علامة الرفع فلذلك لم تسقط النون التي هي ضمير جمع المؤنث، كما لم تسقط الواو التي هي ضمير جمع المذكر، والساقط في * (يعفون) * إذا كان للرجال الواو التي هي لام الفعل في * (يعفون) * لا الواو التي هي ضمير الجمع، والله أعلم.
المسألة الثانية: المعنى: إلا أن يعفون المطلقات عن أزواجهن فلا يطالبنهم بنصف المهر، وتقول المرأة: ما رآني ولا خدمته، ولا استمتع بي. فكيف آخذ منه شيئا.
أما قوله تعالى: * (أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) * ففيه مسألتان:
المسألة الأولى: في الآية قولان الأول: أنه الزوج، وهو قول علي بن أبي طالب عليه السلام، وسعيد بن المسيب، وكثير من الصحابة والتابعين وهو قول أبي حنيفة.
والقول الثاني: أنه الولي، وهو قول الحسن، ومجاهد وعلقمة، وهو قول أصحاب الشافعي.
حجة القول الأول وجوه الأول: أنه ليس للولي أن يهب مهر موليته صغيرة كانت أو كبيرة فلا يمكن حمل هذه الآية على الولي والثاني: أن الذي بيد الولي هو عقد النكاح، فإذا عقد حصلت العقدة، لأن بناء الفعلة يدل على المفعول، كالأكلة واللقمة، وأما المصدر فالعقد كالأكل واللقم، ثم من المعلوم أن العقدة الحاصلة بعد العقد في يد الزوج لا في يد الولي والثالث: أن قوله تعالى: * (الذي بيده عقدة النكاح) * معناه الذي بيده عقدة نكاح ثابت له لا لغيره، كما أن قوله: * (ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى) * (النازعات: 40) أي نهى النفس عن الهوى الثابت له لا لغيره، كانت الجنة ثابتة له، فتكون مأواه الرابع: ما روي عن جبير بن مطعم، أنه تزوج امرأة فطلقها قبل أن يدخل بها فأكمل الصداق، وقال: أنا أحق بالعفو، وهذا يدل على أن الصحابة فهموا من الآية العفو الصادر من الزوج.
حجة من قال: المراد هو الولي وجوه الأول: أن الصادر من الزوج هو أن يعطيها كل المهر، وذلك يكون هبة، والهبة لا تسمى عفوا، أجاب الأولون عن هذا من وجوه أحدها: أنه كان الغالب عندهم أن يسوق المهر إليها عند التزوج، فإذا طلقها استحق أن يطالبها بنصف ما ساق إليها، فإذا