فإن قيل: المحافظة لا تكون إلا بين اثنين، كالمخاصمة، والمقاتلة، فكيف المعنى ههنا؟.
والجواب: من وجهين أحدهما: أن هذه المحافظة تكون بين العبد والرب، كأنه قيل له: احفظ الصلاة ليحفظك الإله الذي أمرك بالصلاة وهذا كقوله: * (فاذكروني أذكركم) * (البقرة: 152) وفي الحديث: " احفظ الله يحفظك " الثاني: أن تكون المحافظة بين المصلي والصلاة فكأنه قيل: احفظ الصلاة حتى تحفظك الصلاة، واعلم أن حفظ الصلاة للمصلي على ثلاثة أوجه الأول: أن الصلاة تحفظه عن المعاصي، قال تعالى: * (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) * (العنكبوت: 45) فمن حفظ الصلاة حفظته الصلاة عن الفحشاء والثاني: أن الصلاة تحفظه من البلايا والمحن، قال تعالى: * (واستعينوا بالصبر والصلاة) * (البقرة: 153) وقال تعالى: * (وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة) * (المائدة: 12) ومعناه: إني معكم بالنصرة والحفظ إن كنتم أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة والثالث: أن الصلاة تحفظ صاحبها وتشفع لمصليها، قال تعالى: * (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله) * (البقرة: 110) ولأن الصلاة فيها القراءة، والقرآن يشفع لقارئه، وهو شافع مشفع وفي الخبر: " إنه تجئ البقرة وآل عمران كأنهما عمامتان فيشهدان ويشفعان " وأيضا في الخبر " سورة الملك تصرف عن المتهجد بها عذاب القبر وتجادل عنه في الحشر وتقف في الصراط عند قدميه وتقول للنار لا سبيل لك عليه " والله أعلم.
المسألة الثالثة: اختلفوا في الصلاة الوسطى على سبعة مذاهب.
فالقول الأول: أن الله تعالى أمر بالمحافظة عليها، ولم يبين لنا أنها أي صلاة هي، وإنما قلنا: إنه لم يبين لأنه لو بين ذلك لكان إما أن يقال: إنه تعالى بينها بطريق قطعي، أو بطريق ظني والأول باطل لأنه بيان إما أن يكون بهذه الآية، أو بطريق آخر قاطع، أو خبر متواتر ولا يمكن أن يكون البيان حاصلا في هذه الآية، لأن عدد الصلوات خمس، وليس في الآية ذكر لأولها وآخرها، وإذا كان كذلك أمكن في كل واحدة من تلك الصلوات أن يقال: إنما هي الوسطى، وإما أن يقال: بيان حصل في آية أخرى أو في خبر متواتر، وذلك مفقود، وأما بيانه بالطريق الظني وهو خبر الواحد والقياس فغير جائز، لأن الطريق المفيد للظن معتبر في العمليات، وهذه المسألة ليست كذلك، فثبت أن الله تعالى لم يبين أن الصلاة الوسطى ما هي؟ ثم قالوا: والحكمة فيه أنه تعالى لما خصها بمزيد التوكيد، مع أنه تعالى لم يبينها جوز المرء في كل صلاة يؤديها أنها هي الوسطى فيصير ذلك داعيا إلى أداء الكل على نعت الكمال والتمام، ولهذا السبب أخفى الله تعالى ليلة القدر في رمضان، وأخفى ساعة الإجابة في يوم الجمعة، وأخفى اسمه الأعظم في جميع الأسماء، وأخفى وقت الموت في الأوقات ليكون المكلف خائفا