يثبت عند أحد هذين الأمرين هو لزوم المهر، فوجب القطع بأن الجناح المنفي في أول الآية هو لزوم المهر الثاني: أن تطليق النساء قبل المسيس على قسمين أحدهما: الذي يكون قبل المسيس وقبل تقدير المهر، وهو المذكور في هذه الآية والثاني: الذي يكون قبل المسيس وبعد تقدير المهر وهو المذكور في الآية التي بعد هذه الآية وهي قوله: * (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة) * (البقرة: 237) ثم إنه في هذا القسم أوجب نصف المفروض وهذا القسم كالمقابل لذلك القسم فيلزم أن يكون الجناح المنفي هناك هو المثبت ههنا، فلما كان المثبت ههنا هو لزوم المهر وجب أن يقال: الجناح المنفي هناك هو لزوم المهر والله أعلم.
واعلم أنا قد ذكرنا في أول تفسير هذه الآية أن أقسام المطلقات أربعة، وهذه الآية تكون مشتملة على بيان حكم ثلاثة أقسام منها، لأنه لما صار تقدير الآية: لا مهر إلا عند المسيس أو عند التقدير، عرف منه أن التي لا تكون ممسوسة ولا مفروضا لها لا يجب لها المهر، وعرف أن التي تكون ممسوسة ولا تكون مفروضا لها والتي تكون مفروضا لها ولا تكون ممسوسة يجب لكل واحدة منهما المهر، فتكون هذه الآية مشتملة على بيان حكم هذه الأقسام الثلاثة.
وأما القسم الرابع: وهي التي تكون ممسوسة ومفروضا لها، فبيان حكمه مذكور في الآية المتقدمة، وعلى هذا التقدير تكون هذه الآيات مشتملة على بيان حكم هذه الأقسام الأربعة بالتمام وهذا من لطائف الكلمات والحمد لله على ذلك.
المسألة الثالثة: قال أبو بكر الأصم والزجاج: هذه الآية تدل على أن عقد النكاح بغير المهر جائز، وقال القاضي: إنها لا تدل على الجواز لكنها تدل على الصحة، أما بيان دلالتها على الصحة، فلأنه لو لم يكن صحيحا لم يكن الطلاق مشروعا، ولم تكن المتعة لازمة، وأما أنها لا تدل على الجواز، فلأنه لا يلزم من الصحة الجواز، بدليل أن الطلاق في زمان الحيض حرام ومع ذلك واقع وصحيح.
المسألة الرابعة: اتفقوا على أن المراد من المسيس في هذه الآية الدخول، قال أبو مسلم: وإنما كنى تعالى بقوله: * (تمسوهن) * عن المجامعة تأديبا للعباد في اختيار أحسن الألفاظ فيما يتخاطبون به والله أعلم.
أما قوله تعالى: * (أو تفرضوا لهن فريضة) * فالمعنى يقدر لها مقدارا من المهر يوجبه على نفسه، لأن الفرض في اللغة هو التقدير، وذكر كثير من المفسرين أن * (أو) * ههنا بمعنى الواو، ويريد: ما لم تمسوهن ولم تفرضوا لهن فريضة، كقوله: * (أو يزيدون) * (الصافات: 147) وأنت إذا تأملت فيما لخصناه علمت أن هذا التأويل متكلف، بل خطأ قطعا والله أعلم.