للعرب في أكننت الشيء أي سترته لغتان: كننته وأكننته في الكن وفي النفس بمعنى، ومنه: و * (ما تكن صدورهم) * (النحل: 74)، * (وبيض مكنون) * (الصافات: 49) وفرق قوم بينهما، فقالوا: كننت الشيء إذا صنته حتى لا تصيبه آفة، وإن لم يكن مستورا يقال: در مكنون، وجارية مكنونة، وبيض مكنون، مصون عن التدحرج وأما أكننت فمعناه أضمرت، ويستعمل ذلك في الشيء الذي يخفيه الإنسان ويستره عن غيره، وهو ضد أعلنت وأظهرت، والمقصود من الآية أنه لا حرج في التعريض للمرأة في عدة الوفاة ولا فيما يضمره الرجل من الرغبة فيها.
فإن قيل: إن التعريض بالخطبة أعظم حالا من أن يميل قلبه إليها ولا يذكر شيئا فلما قدم جواز التعريض بالخطبة كان قوله بعد ذلك: * (أو أكننتم في أنفسكم) * جاريا مجرى إيضاح الواضحات.
قلنا: ليس المراد ما ذكرتم بل المراد منه أنه أباح التعريض وحرم التصريح في الحال، ثم قال: * (أو أكننتم في أنفسكم) * والمراد أنه يعقد قلبه على أنه سيصرح بذلك في المستقبل، فالآية الأولى إباحة للتعريض في الحال، وتحريم للتصريح في الحال، والآية الثانية إباحة لأن يعقد قلبه على أنه سيصرح بذلك بعد انقضاء زمان العدة، ثم أنه تعالى ذكر الوجه الذي لأجله أباح ذلك، فقال: * (علم الله أنكم ستذكرونهن) * لأن شهوة النفس إذا حصلت في باب النكاح لا يكاد يخلو ذلك المشتهي من العزم والتمني، فلما كان دفع هذا الخاطر كالشئ الشاق أسقط تعالى عنه هذا الحرج وأباح له ذلك.
ثم قال تعالى: * (ولكن لا تواعدوهن سرا) * وفيه سؤالان:
السؤال الأول: أين المستدرك بقوله تعالى: * (ولكن لا تواعدوهن سرا) * الجواب: هو محذوف لدلالة ستذكرونهن عليه، تقديره: * (علم الله أنكم ستذكرونهن) * فاذكروهن * (ولكن لا تواعدوهن) *.
السؤال الثاني: ما معنى السر؟.
والجواب: أن السر ضد الجهر والإعلان، فيحتمل أن يكون السر ههنا صفة المواعدة على شيء: ولا تواعدوهن مواعدة سرية ويحتمل أن يكون صفة للموعود به على معنى ولا توعدوهن بالشيء الذي يكون موصوفا بوصف كونه سرا، أما على التقدير الأول وهو أظهر التقديرين، فالمواقعة بين الرجل وبين المرأة على وجه السر لا تنفك ظاهرا عن أن تكون مواعدة بشيء من المنكرات، وههنا احتمالات الأول: أن يواعدها في السر بالنكاح فيكون المعنى أن أول الآية إذن في التعريض بالخطبة وآخر الآية منع عن التصريح بالخطبة الثاني: أن يواعدها بذكر الجماع